Fatawa Hadithiyya
الفتاوى الحديثية
Daabacaha
دار الفكر
على أَن الْأَرْوَاح بَاقِيَة غير فانية إمَّا فِي نعيم مُقيم، وَإِمَّا فِي عَذَاب أَلِيم، وَإِذا كَانَ الْمَوْت أمرا وجوديًا فَهُوَ مضاد للإدراكات الدُّنْيَوِيَّة والأخروية، وَقيل الدُّنْيَوِيَّة فَقَط، وردّ بِأَن مَعْقُول الْإِدْرَاك لَا يخْتَلف وإِذا ثَبت المضادة الأولى كَانَت سالبة للحياة وَسَائِر الإدراكات المنوطة بهَا، وَيجوز أَن ترجع فِي حَال آخر، وَأمر ثَان، وبعَوْدِها يرجع الميتُ حَيا وَهُوَ الْمعبر عَنهُ بحياة الْقَبْر عِنْد إتْيَان الْملكَيْنِ للسؤال، فَإِذا ردتْ إِلَيْهِ الْحَيَاة للجسم وَالروح تبعتها الإدراكات الْمَشْرُوطَة بهَا فَيتَوَجَّه حينئذٍ على الْمَيِّت السُّؤَال وَيتَصَوَّر مِنْهُ الْجَواب. وَرُوِيَ فِي الحَدِيث عَن عَليّ أَو غَيره ﵁: (أَنه ﷺ لما ذكر فتْنَة مُنْكر وَنَكِير قَالَ: يَا رَسُول الله إِن يكن معي عَقْلِي فَلَا أُبَالِي مِنْهُمَا) وَفِي إرشاد إِمَام الْحَرَمَيْنِ المرضى عندنَا أَن السُّؤَال على أَجزَاء يعلمهَا الله من الْقلب أَو غير يُحْيِّيها الربُّ ﷾ ويوجُّه السُّؤَال عَلَيْهَا، وَذَلِكَ غير مُسْتَحِيل عقلا وَلَا شرعا، وَقيل يجوز أَن يكون السُّؤَال للروح وَتَكون بِإِزَاءِ الْجِسْم انْتهى. وَالسّنة تَرُد هَذَا القَوْل وَإِن قَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين: المعتقد أَن السُّؤَال وَاجِب والمسؤول الرّوح ومحلها مُحْتَمل. وَنقل أَن الشَّارِع أخبر أَن الْمَلَائِكَة والبهائم والآدمي تتطور فِي الْإِحْيَاء والإماتة مَرَّات كَثِيرَة فالآدمي يتطوَّر فِي الإحياءات والإماتات سِتَّة: الأولى: يَوْم ﴿أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ﴾ [الْأَعْرَاف: ١٧٢] حِين اسْتخْرجُوا من ظهر آدم كالذر، وَيُقَال إِنَّه كَانَ مرَّتَيْنِ، قيل وَكَانَت أرواحًا بِلَا أجسام، وَالْحق عِنْد أهل السّنة أَنَّهَا كَانَت مركبة فِي أجسام، وَأنكر هَذَا طوائف وَعَجِيب من الْبَيْضَاوِيّ وَغَيره أَنه وافقهم، وَقد قَالَ بعض الْأَئِمَّة: إِن إِنْكَاره إلحاد فِي الدّين. الثَّانِيَة: الْإِحْيَاء الدنيوي الْمَشْهُور لكل أحد. الثَّالِثَة: إحْيَاء الْقَبْر عِنْد مَجِيء الْملكَيْنِ للسؤال. الرَّابِعَة: الْإِحْيَاء الإبراهيمي حِين نَادَى إِبْرَاهِيم صلى الله على نَبينَا وَعَلِيهِ وَسلم عِنْد بِنَاء الْبَيْت) أَلا إِن ربكُم قد بنى لكم بَيْتا فحجُّوه) الحَدِيث. الْخَامِسَة: الْإِحْيَاء المحمدي ذكر الْقشيرِي فِي التحبير عِنْد ذكره الْوَهَّاب أَن مُوسَى صلى الله على نَبينَا وَعَلِيهِ وَسلم قَالَ: يَا رب إِنِّي أرى فِي التَّوْرَاة أمة أَنا جيلُهم فِي صُدُورهمْ مَنْ هم؟ قَالَ: تِلْكَ أمة مُحَمَّد ﷺ وَأخذ يعدد فيهم الْخِصَال الجميلة، حَتَّى اشتاق مُوسَى إِلَى لقائهم، فَقَالَ لَهُ: لَا تلقاهم ولكنْ إِن شِئْت أسمعك أَصْوَاتهم فَنَادَى سُبْحَانَهُ أمة مُحَمَّد ﷺ وهم فِي أصلاب آبَائِهِم، فَقَالُوا: لبيْك يَا رَبنَا، فَقَالَ تَعَالَى: أَعطيتكُم قبل أَن تَسْأَلُونِي، وغفرت لكم قبل أَن تستغفروني)، وَذكر ذَلِك الْقشيرِي وَاسْتدلَّ لَهُ. السَّادِسَة: الْإِحْيَاء الأبدي فِي الْآخِرَة حِين يذبح الْمَوْت وَيُقَال يَا أهل الْجنَّة خُلُود بِلَا موت، وَيَا أهل النَّار خُلُود بِلَا موت وَهُوَ رُجُوع الْأَجْسَام كَمَا كَانَت على وَجه أكمل وَأفضل. وللملائكة حياتان وموتتان. الأول: الدُّنْيَوِيَّة وَالْمَوْت بعْدهَا. وَالثَّانيَِة الأخروية. وللبهائم حياتان وموتتان: الدُّنْيَوِيَّة ثمَّ الْمَوْت بعْدهَا ثمَّ الْحَيَاة للْقصَاص كَمَا جَاءَ فِي (الصَّحِيح) ثمَّ يُقَال لَهَا كوني تُرَابا فتموت وَترجع تُرَابا، وحينئذٍ يَقُول الْكَافِر ﴿وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِى كُنتُ تُرَابًا﴾ [النبأ: ٤٠] فَلَيْسَتْ هَذِه الإحياءات مضادة لقَوْله تَعَالَى: ﴿رَبَّنَآ أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾ [غَافِر: ١١] لِأَن هَذَا من قَول الْكفَّار، وَلَو سلمنَا صِحَّته فَلَيْسَ فِيهِ حصر أَن هَذَا لَا يكون إِلَّا كَذَا فيجوزأكثر، سلمنَا أَن فِيهِ حصرًا فَهُوَ بِاعْتِبَار الْمَشْهُور الَّذِي يعرفهُ كل أحد. ٧٣ وَسُئِلَ نفع الله بِهِ: عَن قَوْله تَعَالَى: ﴿ياقَوْمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِىَ اللَّهِ وَءَامِنُواْ﴾ [الْأَحْقَاف: ٣١] الْآيَة، هَل مُقْتَضَاهُ أَن مؤمني الْجِنّ يدْخلُونَ الْجنَّة أم لَا، وَهل مِنْهُم رسل، وَهل هم أَوْلَاد إِبْلِيس، وَمَا حكم من أنكر وجوهم، وَمَا يتَعَلَّق بذلك من إِعَادَة الْحَيَوَانَات وَغير ذَلِك؟ فَأجَاب بقوله: كل الحياونات يموتون وَكَذَلِكَ سَائِر الْعَالم لقَوْله تَعَالَى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾ [الرَّحْمَن: ٢٦] مَعَ قَوْله: ﴿قَالَ ذَلِكَ بَيْنِى وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأٌّجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَىَّ وَاللَّهُ عَلَىامَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾ [الْقَصَص: ٢٨] لَكِن لنا قَول: أَنه يسْتَثْنى من ذَلِك من خُلِقَ للبقاء كحور الْجنَّة وولدانها فَمَعْنَى هَالك إِلَّا وَجهه عِنْدهم قَابل للهلاك وَفِي مُقَابِله أَنهم يعدمون كالجنة وَالنَّار وَسَائِر الموجودات لَحْظَة ليصدق عُمُوم الْآيَة ثمَّ يعودون. وَاخْتلفُوا فِي إِعَادَة الْحَيَوَان وَالأَصَح إِعَادَته لقَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ﴾ [التكوير: ٥] وَلِحَدِيث الصَّحِيحَيْنِ فِي الاقتصاص للحيوان بعضه من بعض، وَقيل لَا يُعَاد شَيْء مِنْهَا، وحشرت مَعْنَاهُ مَاتَت، والاقتصاص كِنَايَة عَن الْعدْل وَهُوَ خلاف ظَاهر الْآيَة والْحَدِيث فَمن ثمَّ كَانَ الْأَصَح الأول. وَأما الآدميون المكلفون مِنْهُم يعودون إِجْمَاعًا، وَكَذَا الصغار الْعُقَلَاء يعودون وَيَكُونُونَ فِي الْجنَّة مَعَ آبَائِهِم الْمُؤمنِينَ إِجْمَاعًا أَيْضا، وَلَا نظر لمن شذَّ فِي ذَلِك كَمَا بَينته فِي (شرح الْعباب) فِي بَاب الاستسقساء، وَمثلهمْ من بلغ مَجْنُونا، وَتوقف الباقلاني فِي الصغار وَتردد غَيره فِي المجانين لَا يعول عَلَيْهِ. وَأما الجان فَأهل السّنة يُؤمنُونَ
1 / 89