87

Fatawa Hadithiyya

الفتاوى الحديثية

Daabacaha

دار الفكر

قَالَ شَيخنَا الإِمَام: وَالْأَظْهَر أَن فعل الْمَرْأَة سحر؛ وَإِن كَانَ فعل ينشأ عَنهُ حَادث فِي أَمر مُنْفَصِل عَن مَحل الْفِعْل فَإِنَّهُ سحر. وَعَن ابْن أبي زيد من يعرف الْجِنّ وَعِنْده كتب فِيهَا، جلب الْجِنّ وأمراؤهم فيصرع المصروع، وَيَأْمُر بزجر مَرَدَة الْجِنّ عَن الصرعة وَيحل من عَقد عَن امْرَأَته؛ وَيكْتب كتاب عطف الرجل على الْمَرْأَة. وَيَزْعُم أَنه يقتل الْجِنّ أَفِي هَذَا بَأْس إِذا كَانَ لَا يُؤْذِي أحدا أَو ينْهَى أَن يتعلمه. قلت: هَذَا نَحْو مِمَّا أنكرهُ شَيخنَا من عقد الْمَرْأَة زَوجهَا، وَالصَّوَاب أَن التَّقَرُّب إِلَى الروحانية وخدمة مُلُوك الجان من السحر، وَهُوَ الَّذِي أضَّل الْحَاكِم العبيدي لَعنه الله حَتَّى ادّعى الألوهية ولعبت بِهِ الشَّيَاطِين حَتَّى طلب الْمحَال، وَهُوَ مجبول على النَّقْص وفَعَل أفاعيل مَنْ لم يُؤمن بِالآخِرَة. وَعَن ابْن أبي زيد أَيْضا: لَا يجوز الجُعْل على إِخْرَاج الجان من الْإِنْسَان لِأَنَّهُ لَا يعرف حَقِيقَته وَلَا يُوقف عَلَيْهِ، وَلَا يَنْبَغِي لأهل الْوَرع فعله وَلَا لغَيرهم وَكَذَا الجُعْل على حل المربوط والمسحور. وَسُئِلَ أَيْضا عَمَّن يكْتب كتاب عطف لامْرَأَة أعرض عَنْهَا زَوجهَا ليقبل عَلَيْهَا وتكتفي شَرَّه؟ فَأجَاب: أما بَين الزَّوْجَيْنِ فأرجو أَن يكون حَقِيقا بكتب الْقُرْآن وَغَيره مِمَّا لَا يستنكر وَلَا يشْتَرط فِي جُعْله. قلت: وَهَذَا خلاف مَا تقدم لَهُ إِلَّا أَن يُقَال إِن هَذَا بالرقى الظَّاهِرَة الحُسْن كرقي أبي سعيد الْخُدْرِيّ ﵁ سيد الحيّ الملدوغ بِالْفَاتِحَةِ انْتهى. ومذهبنا فِي ذَلِك أَن كل عَزِيمَة مقروءة أَو مَكْتُوبَة إنْ كَانَ فِيهَا اسْم لَا يعرف مَعْنَاهُ فَهِيَ مُحرمَة الْكِتَابَة وَالْقِرَاءَة سَوَاء فِي ذَلِك المصروع وَغَيره، وإنْ كَانَت الْعَزِيمَة أَو الرقيا مُشْتَمِلَة على أَسمَاء الله تَعَالَى وآياته والإقسام بِهِ وبأنبيائه وَمَلَائِكَته جَازَت قرَاءَتهَا على المصروع وَغَيره، وكتابتها كَذَلِك، وَمَا عدا ذَلِك من التبخيرات والتدخينات وَنَحْوهمَا مِمَّا اعتاده السَّحَرَة الفجرة الْحَرَام الصّرْف بل الْكَبِيرَة، بل الكُفْر بتفصيله الْمَشْهُور عندنَا ومطلقًا عِنْد مَالك وَغَيره. وَسُئِلَ ابْن أبي زيد الْمَالِكِي عَن أجْران يُكْتب فِيهَا نَحْو اسْم الله الَّذِي أَضَاء بِهِ كل ظلمَة، وَكسر بِهِ كل قوّة، وَجعله على النَّار فأوقدت، وعَلى الْجنَّة فتزينت، فَأَقَامَ بِهِ عَرْشه، وكرسيه، وَبِه يبْعَث خلقه، وَمَا أشبه ذَلِك مَعَ قُرْآن تقدَّمه فَهَل بِهَذَا بَأْس. فَقَالَ: لم يَأْتِ هَذَا فِي الْأَحَادِيث الصِّحَاح، وغيرُ هَذَا من الْقُرْآن وَالسّنة الثَّابِتَة عَن النَّبِي ﷺ أحَبُّ إِلَيْنَا أَن يُدْعى بِهِ، وَذكر فِي أثْنَاء كَلَامه أَن ذَلِك لَا يجوز إِلَّا بِبُعْد من التَّأْوِيل انْتهى. وَمِمَّنْ صرح بِتَحْرِيم الرقيا بِالِاسْمِ الأعجمي الَّذِي لَا يعرف مَعْنَاهُ ابْن رشد الْمَالِكِي، والعز بن عبد السَّلَام الشَّافِعِي، وَجَمَاعَة من أَئِمَّتنَا وَغَيرهم، وَقيل وَعَن ابْن الْمسيب مَا يَقْتَضِي الْجَوَاز، لقَوْله ﷺ: (مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُم أنْ يَنُفَعَ أَخَاهُ فَلْينفعه) انْتهى. وَلَا دَلِيل فِيهِ لِأَنَّهُ لم يقل لَهُم ذَلِك إِلَّا بعد أَن سَأَلُوهُ أَن عِنْدهم رقيا يرقون بهَا فَقَالَ لَهُم ﷺ: (اعرضوا عليّ رقاكم) فعرضوها عَلَيْهِ، فَقَالَ ﷺ لَا بَأْس ثمَّ قَالَ من اسْتَطَاعَ مِنْكُم) إِلَخ، فَلم يقل ذَلِك إِلَّا بعد أَن عرف رُقاهم، وَأَنه لَا مَحْذُور فِيهَا، وَذكر بعض أَئِمَّة الْمَالِكِيَّة أَن من أَمر الْغَيْر بِعَمَل السحر لَا يقتل بِالْأَمر بل يُؤَدب شَدِيدا كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة. وَسُئِلَ بَعضهم عَن رجل صَالح يكْتب ويرقى وَيعْمل النشر ويعالج أَصْحَاب الصرع وَالْجُنُون بأسماء الله والخواتم والعزائم، وَينْتَفع بذلك كُله مِنْ عملَه، وَلَا يَأْخُذ على ذَلِك الأجور، فَهَل لَهُ بذلك أجر؟ فَأجَاب: أما الْكتب للحُمَّى والرُقى وَعمل النشر بِالْقُرْآنِ وبالمعروف من ذكر الله تَعَالَى فَلَا بَأْس بِهِ، وَأما معالجة المصروع بالجنون بالخواتم والعزائم، فَفعل المبطلين فَإِنَّهُ من الْمُنكر وَالْبَاطِل الَّذِي لَا يَفْعَله وَلَا يشْتَغل بِهِ من فِيهِ خير أَو دين، فَإِن كَانَ هَذَا الرجل جَاهِلا بِمَا عَلَيْهِ فِي هَذَا فَيَنْبَغِي أَن يُنهى عَنهُ ويُبصَّر فِيمَا عَلَيْهِ فِيهِ، حَتَّى لَا يعود إِلَى الِاشْتِغَال بِهِ. ٧٢ وَسُئِلَ نفع الله تَعَالَى بِهِ: عَن الْمَوْت هَل هُوَ وجودي أَو عدمي، وَكم يَمُوت الْإِنْسَان ويحيا، وَفِي الْآيَة: ﴿رَبَّنَآ أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾ [غَافِر: ١١]؟ فَأجَاب نفعنا الله بِعُلُومِهِ بقوله: قد حَرَّرتُ الْحق فِي ذَلِك فِي (شرح العُباب) فَلْينْظر مِنْهُ، وَالَّذِي حضرني هُنَا أَن الْمَوْت مُفَارقَة الرّوح الْجَسَد. وَاخْتلفُوا هَل هِيَ صفة وجودية، أَو مَعْقُول عدمي، فَقيل هُوَ معنى يخلقه الله فِي الْجِسْم مضاد للحياة لقَوْله تَعَالَى: ﴿خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَواةَ﴾ [الْملك: ٢] والعدم غير مَخْلُوق، وَقيل هُوَ عدم صرف والخلق فِي الْآيَة بِمَعْنى التَّقْدِير وَهُوَ يُطلق عَلَيْهِمَا، وَاتَّفَقُوا أَنه لَيْسَ بجسم وَلَا جَوْهَر. وَحَدِيث: (يُؤتى بِالْمَوْتِ فِي صُورَة كَبْش) إِلَخ من بَاب التَّمْثِيل، وَالأَصَح أَنه أَمر وجودي يقْتَرن بحدوثه قبُول الانحلال والانتقال من دَار إِلَى دَار، وَاتفقَ الْمُسلمُونَ

1 / 88