فأما الرواية الثانية، وهي الاكتفاء بغسل القدمين، فهي لا تجوز إلا عند من لم يشترط الموالاة في الوضوء، والمشهور عند الإمام أحمد والفقهاء أن الموالاة ركن من أركان الوضوء، كما ذكر ذلك في موضعه.
وأما قول الحسن وداود وما اختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى من أن الطهارة باقية، حيث لم يحدث ما ينقضها، وحيث إن الحدث قد ارتفع، فلا يعود إلا بناقض من النواقض، وقالوا: إن انقضاء المدة أو خلع الخف لم يذكر مع نواقض الوضوء، وقاسوا ذلك على حلق الشعر بعد مسحه فأرى أن هذا فيه تساهل كثير، وذلك أن النبي ﷺ حدد صلاحية هذا المسح بيوم وليلة، فهو دليل على انتهاء الصلاحية بعد انقضاء المدة، أو بعد الخلع وبقاء القدمين مكشوفين، فإن الرخصة إنما ثبتت لحاجته إلى اللبس للتدفئة، فبخلعها يتضح عدم الحاجة إليهما، فتنتفي الرخصة.
وأما حلق الشعر بعد مسحه، فلا يشبه خلع الخف، فإن الشعر من جملة البدن ملتصق بالرأس، ولا يتمكن من مسح ما تحته مع بقائه، ولا يتمكن من إعادته بعد حلقه، بخلاف الخف؛ فإنه يخلع ثم يلبس، وهو شبيه بالعمامة أو الجبيرة ونحوها مما يلبس ويخلع. وبهذا يتضح ترجح القول الأول، وهو بطلان الطهارة بانتهاء المدة أو بالخلع، ومن اختار غير ذلك فله الاجتهاد، والله أعلم. وانظر تعليق سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز على حلق الرأس بعد مسحه في فتح الباري (ج١، صـ٣١٠) .
1 / 39