إذا نزعته من يديك النوازع
لقد رسخت في القلب منك مودة
كما رسخت في الراحتين الأصابع
فقيس لم يحاول قط أن يصور لبنى، والمجنون - أي قيس بن الملوح - لم يصور ليلى، وجميل لم يكد يصور بثينة، وكثير لم يصور عزة، وإنما بكوا جميعا حبهم وعبروا عن لواعجه، ولفظوا مكنون وجدانهم حتى لكأنهم من شعراء الوجدان المحدثين.
وعلى أية حال فالشعر الجاهلي قد كان شعرا صادقا أصيلا كما كان الشعر الأموي صادقا أصيلا؛ لأن كليهما أخلص لبيئته ونوازعها ومثلها العليا وطبيعة حياتها فهو من شعر الطبع، وأما شعر العصر العباسي وبخاصة العصر المتأخر منه فلم يعد يأخذ عن الطبيعة، بل أخذ يحاكي الشعر الجاهلي والشعر الأموي، وكان ذلك بدء جفاف نبع الشعر العربي وتحجره وطغيان التقليد عليه حتى أصبح شعر صيغ وقوالب أكثر منه شعر طبع وطبيعة.
فالشعراء العباسيون قد استمروا في وصف الأطلال والنؤى والأثافي على الرغم من أنهم قد أصبحوا أهل حضر وسكان مدن وحدائق وأعناب، وقد تحكم التقليد في الشعر العربي إلى حد فشلت معه كل محاولة للتجديد كتلك التي دعا إليها شاعر متمرد كأبي نواس عندما قال:
صفة الطلول بلاغة القدم
فاجعل صفاتك لابنة الكرم
لا تخدعن عن التي جعلت
سقم الصحيح وصحة السقم
Bog aan la aqoon