وفي المؤلفين تؤثر المبتسرات
1
الدينية على الخصوص وإن اعتقدوا تخلصهم منها، وهكذا انتهى كثير من المؤرخين مثلا إلى آراء شديدة الخطأ حول قيمة الحضارة الإسلامية، ويظل التحامل على العالم الإسلامي السابق مستعصيا حتى الوقت الحاضر، فيحتاج تاريخ القرون الوسطى إلى تجديد في جميع أجزائه الخاصة بانتقال الحضارة القديمة إلى الأزمنة الحديثة.
ويهدف مؤرخون كثير إلى التخلص من التفاسير الشخصية، فيريدون تأليف حوادث زمن ما تأليفا مجددا بسلسلة من البطاقات مشتملة على مقتطفات من الوثائق، أي الشهادات، وسنبين في فصل آت نقص هذه الوسيلة في الاستقصاء. •••
وكلما كملت مناهج دراسة التاريخ شوهد تعيين معظم الحوادث بسلسلة من العلل الخفية، ولا يحدث التاريخ عنها مطلقا، مع أنها هي التي توجد التاريخ.
وينشأ أحد مصادر الخطأ الكبرى في تفسير الحوادث الماضية عن محاولة المؤلفين إيضاح الوقائع بأفكار الحاضر بدلا من تقديرها وفق أهواء كل زمن ومشاعره المتقابلة.
وليس العمل سهلا، فيجب مثلا أن يوصل إلى إدراك روح المؤمن المسيطر عليه اعتقاده، وإدراك كون روح البارون الإقطاعي المهددة حياته دائما غير مشابهة لروحنا، وإدراك روح الثوري المنوم بأحلامه، إلخ. وكيف يكون تأثر الرجل في أيامنا بالمناقشات حول العناية الربانية التي هزت الفرنسيين المثقفين هزا عنيفا في زمن الينسنيوسية؟ وكيف تنتحل حال رجال القرون الوسطى ورجال الهول النفسية؟ لا ريب في كون العالم المحقق يشعر في مكتبه بكثير من المشقة حتى يبصر الضرورات التي حملت سيلا وماريوس على إهلاك ألوف المواطنين من الرومان، وحملت قيصر على عبور نهر الروبيكون، وشارل التاسع على معاناة إرادة الشعب التي تعد سببا حقيقيا لمذبحة السان برتلمي.
ويجب لحسن إدراك معنى هذا الحادث التاريخي أو ذاك أن يوصل إلى إحياء ما يمكن أن يدعى «روح الزمن»، هذه الحساسية المتقلبة إلى الغاية والمؤثرة حينا ثم الدارسة المخلوعة حينا آخر.
وتتحول فرنسا في الدور القصير الممتد بين آخر عهد لويس السادس عشر وإعادة الملكية تحولا أعظم مما في عهدي لويس الرابع عشر ولويس الخامس عشر. •••
واليوم يمكن أن تبين، على الرغم من كل تقدم علمي حديث، درجة تجرد المناهج المتخذة لتعيين الحقائق التاريخية من روح النقد، وذلك بالاستقصاء الطويل الغالي الذي أمر به الريشتاغ، وصولا إلى معرفة علل هزيمة الألمان، وكانت اللجنة التي فوض إليها هذا الاستقصاء مؤلفة من رجال فضلاء، وقد عمل هؤلاء ثمانية أعوام وأنفقوا مبالغ طائلة، فكانت النتيجة التي وصل إليها هي: «أنه يجب أن تعزى علل الهزيمة إلى تفوق الحلفاء الحربي والاقتصادي، وأنه لا يمكن أن ينسب أي خطأ إلى قادة الألمان.»
Bog aan la aqoon