الفجر الكاذب
الفجر الكاذب
تأليف
نجيب محفوظ
الفجر الكاذب
كأنما هو سباق بيني وبين قرص الشمس المائل نحو الغروب. بلغت شارع ابن ياسر المكلل بأشجار الأكاسيا على جانبيه. تستبق فوق أديمه السيارات في تيارات متدفقة، وتقوم في موقع من وسطه العمارة بمدخلها الواسع الممتد، وضوئها المشع من داخل الجدران الشفافة. رفعني المصعد إلى الدور الثامن. ضغطت على الجرس ففتحت الشراعة عن وجه الخادم. تقدمني إلى الثوي المكون من ثلاث حجرات متصلة، فجلست على مقعدي في الأعماق. أزاح الرجل ستارة وفتح نافذة، فتدفق هواء الخريف. وهلت سيدتي في فستان أزرق آية في البساطة والرقة، وشبشب أزرق مذهب السير، ترنو إلي بعينيها النجلاوين الثاقبتين، وأنا أتعجب من صفاء بشرتها. سألتني عما أحب أن أشرب، فطلبت القهوة فقالت إنها سلت بعض فراغها بصنع شيكولاتة بالبسكويت، قلت إذن أتناول واحدة. وأمرت لي بما طلبت. ونظرت في وجهي مليا، وقالت: واضح أنك لم تتقدم خطوة مفيدة.
فقلت في تسليم: هذه هي الحقيقة.
تساءلت ضاحكة: ترى أهو ذنب المشكلة أم ذنبك؟ - لا أدافع عن نفسي، ولكن لا يمكن أن أتهم بالإهمال. - كأننا لم نبدأ بعد. - وهذا ما يؤرقني.
وجاء الخادم دافعا أمامه خوانا، يحمل القهوة والشيكولاتة. وتركتني أحتسي القهوة في هدوء، ودون أن يزايلني التوتر. وقلت برجاء: لا تسيئي بي الظن. - تهمني النتائج لا النوايا أو الأقوال. - نحن في زمن عجيب، شهدنا إنسانا يهبط فوق سطح القمر، ونرى السوق ملأى بكتب عن القوى الخفية. - لا يعني هذا أن يقف الإنسان مكتوف اليدين، وهو يعلم أنه عرضة للهلاك في أي لحظة. - لم أقف مكتوف اليدين، وطالما أتعبت سعادتك معي. - أمرك يهمني كما تعلم.
فبسطت راحتي على صدري، وأحنيت رأسي شاكرا، ثم قلت: طبعا سمعت عن الذي قتل والديه؟ - والتي قتلت ابنها، وقديما سمعنا عن ريا وسكينة. ماذا تريد أن تقول؟ - يشعرني ذلك باقتراب القدر.
Bog aan la aqoon