انطفأ وميض الأمل في عيني الرجل وسأله: من حضرتك؟ - صديق قديم، ويهمني جدا أن أهتدي إلى أي فرد من الأسرة. - كنت على معرفة وطيدة بعم محمد الشماع الله يرحمه. - مات؟! - ورقد في هذا القبر منذ أكثر من خمسين عاما! - والست الكبيرة؟ - لحقت به بعد عام أو عامين. - وماذا عن الآخرين؟ - لم يفتح القبر منذ وفاة الست ... ولا علم لي عن الآخرين. - كان للمرحوم ابن وبنت. - كان له ابنان وبنت!
خفق قلبه وهو يتساءل: ابنان؟! - الابن الأصغر، ربنا يجحمه حيث يكون. - لماذا؟ - ولد فاسد شرير، كان يعمل في الدكان مع أبيه وأخيه، وفي عز الأزمة سرق الخزانة وهرب، ولم يسمع عنه خبر بعد ذلك. - أعوذ بالله، لا شك أنه تركهم لأيام عسيرة. - محنة وفقر وتسول، سرعان ما مات الرجل كمدا، ولحقت به امرأته. أنجب شيطانا، ولا شك في أن الله قد انتقم منه شر انتقام.
نظر إلى القبر مليا، ثم رفع بصره إلى السماء المغبرة، وهمس: شكرا.
فقال الرجل: ربنا يدلك على ابن الحلال ليرشدك إلى ما تريد.
وحياه وانصرف. سار كالأعمى لا يرى ما بين يديه.
الهمس
يخطر لي أحيانا أن الراحة الحقيقية لا توجد إلا بزوالهما معا، هو وهي. ولكنه مجرد خاطر يعبر القلب إذا اشتد العنت أو ادلهم الخطب. خاطر لا وزن له في الواقع، حلم يقظة أخرق. وهل تصبح الحياة حياة إلا من خلال التعامل معهما معا؟ وهل يمكن تخيل الوجود بدونهما؟ أما حيرة التردد بينهما؛ فهي قدره الذي لا مفر منه. في البدء تردد همسه بالمحاذير والدعوة إلى الاعتدال حيال بسماتها المغرية، فتحدت هي محاذيره، وهونت من ترشيداته. ويكفهر وجهه ويفجر إنذاراته. فتغضب هي وتغريني بتجاهله أو تشكك في جديته، وأنا لا غنى لي عنها ولا قدرة لي على تجاهله. في أيام البراءة لعبنا معا - أنا وهي - في نور الشمس تحت السمع والبصر، ولكن همسه يقتحمني قائلا: حافظ على نظافة ملابسك وسلامتها.
ولكن اللعب يحب الحرية، أليس كذلك؟
فيهمس: اللعب الرشيد لا يتنافر مع النظام!
وأمتعض وأتضايق. اللعب هو اللعب! لماذا يقيد لعبي بنواهيه؟ لماذا يفسد علي مذاق الأيام الحلوة؟! فلتتسخ الملابس فثمة من يغسلها، ولتتمزق فالسوق مليئة بالجديد. وهو كبير ولديه ما يشغله نهاره وليله، فلم يهدر وقته في تكدير صفوي، رغم حبنا المتين المتبادل؟ وترنو هي إلي بعينيها الصافيتين وتتساءل: أرأيت تعسفه؟
Bog aan la aqoon