قال: وحصر أبو عبيدة أهل إيلياء، ورأوا أنه غير مقلع عنهم، ظنوا أنه لا طاقة لهم بحربه، قالوا [له]: نحن نصالحك. قال: فإني أقبل منكم الصلح. قالوا: فأرسل إلى خليفتكم عمر، فيكون هو الذي يعطينا هذا العهد، وهو يصالحنا، ويكتب لنا الأمان. ففعل ذلك أبو عبيدة وهم بالكتاب، وكان أبو عبيدة قد بعث معاذا على الأردن، وكان معاذ لا يكاد يفارق أبا عبيدة؛ لرغبته في الجهاد في سبيل الله، وكان أبو عبيدة لا يكاد يقطع رأيا دون معاذ، فأرسل إلى معاذ، فلما قدم عليه أخبره بما سألوه القوم، فقال له معاذ: تكتب إلى أمير المؤمنين وتسأله القدوم عليك، فلعله أن يقدم عليك ويأبى هؤلاء الصلح، فيكون مسيره عناء وفضلا، فلا تكتب إليه حتى يوثق لك هؤلاء، ونستحلفهم بأيمانهم المغلظة لئن أنت سألت أمير المؤمنين عمر القدوم عليهم، وكتبت إليه بذلك، فقدم عليهم فأعطاهم الأمان، وكتب لهم كتابا على الصلح، ليقبلن ذلك وتصالحوا عليه. فأخذ أبو عبيدة عليهم الأيمان المغلظة، فحلفوا بأيمانهم لئن قدم عمر أمير المؤمنين عليهم، ونزل بهم، فأعطاهم الأمان على أنفسهم وأموالهم، فكتب لهم على ذلك كتابا، ليقبلن ذلك، وليؤدن الجزية، وليدخلن فيما دخل فيه أهل الإسلام.
فلما فعلوا ذلك كتب أبو عبيدة بن الجراح إلى أمير المؤمنين: بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله عمر أمير المؤمنين من أبي عبيدة بن الجراح، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فإنا أقمنا على إيلياء، وظنوا أن في المطاولة لهم فرجا ورجاء، فلم يزدهم الله تعالى بها إلا ضيقا ونقصا وهولا، وذلا، فلما رأوا ذلك سألونا أن نعطيهم ما كانوا ممتنعين [منه] قبل ذلك، وله كارهين، وأنهم سألونا الصلح على أن يقدم أمير المؤمنين، فيكون هو المؤمن لهم، والكاتب لهم كتابهم، وإنا خشينا أن يقدم أمير المؤمنين (ثم يغدر القوم) ويرجعون، فيكون مسيرك -أصلحك الله- عناء وفضلا، فأخذنا عليهم المواثيق المغلظة بأيمانهم، لئن أنت قدمت عليهم فأمنتهم على أنفسهم وأموالهم ليقبلن ذلك، وليؤدن الجزية، وليدخلن فيما دخل فيه أهل الذمة، ففعلوا وأخذنا عليهم الأيمان بذلك، فإن رأيت يا أمير المؤمنين أن تقدم علينا فافعل، فإن في مسيرك أجرا وفضلا وصلاحا وعافية للمسلمين، أتاك الله رشدك ويسر أمرك، والسلام.
Bogga 59