بسم الله الرحمن الرحيم وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت قال سيدنا ومولانا الشيخ الإمام العلامة قاضي القضاة شيخ الإسلام علاء الدين أبو الحسن علي بن خطيب الناصرية الطائي الشافعي تغمده الله برحمته ورضوانه الحمد لله القديم الأزلي القدير الأبدي مكور الليل على النهار عبرة لأولي الأبصار سبحانه لا يعتريه أفول ولا نقصان ولا يلحقه تغير على مرور الأزمان وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الباقي وكل من عليها فان وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله والأمم خائضة في بحار الطغيان عاكفة على عبادة الأصنام والأوثان فلم يزل صلى الله عليه وسلم يناضل عن الله باليد واللسان حتى أصبح عمود الدين عالي البنيان صلى الله عليه وعلى اله الأطهار وأصحابه الأخيار ما تعاقب اليل والنهار إنه كريم غفار وبعد فلما كان حب الوطن يعد من الخلق الحسن وكانت حلب وطني عظيما قدرها جليلا أمرها مع حصانة حصنها وكثرة أعمالها ومدنها وطيب نفعها وصحة تربتها ورقة هوائها وعذوبة مائها وغزارة فضلها وكثرة العلماء والشعراء
Bogga 47
من أهلها ووفور الطارش من العلماء عليها والواردين من الأعيان والفضلاء إليها وجمع لها تاريخا مستوعبا لذلك الإمام العلامة أبو القاسم عمر بن أحمد ابن العديم الحلبي الحنفي رحمه الله تعالى فأتقن وأجاد وأطال ولم يسبقه أحد إلى تاريخ لها على الخصوص وسماه بغية الطلب في تاريخ حلب رتبه على حروف المعجم ومسودته نحو أربعين جزءا كبارا والمبيضة تجيء كذلك لكنه الخترمته المنية قبل إكمال تبييضه أحببت أن أذيل عليه ذيلا مختصرا وقبل الخوض في ذكر الأسماء أصدره بفصول الأول في حلب وأسمائها ومن بناها وألقابها الثاني في ذكر حدودها واعمالها الثالث في ذكرفضلها وخصائصها الرابع في فتحها الخامس في نهرها وقنيها ومساجدها ومعابدها وقد ذكر ذلك الصاحب كمال الدين عمر ابن العديم في تاريخه مستوفى لكن تاريخه تفرق شذر مذر ولا يوجد إلا القليل منه وكنت وقفت منه على بعض أجزاء من المبيضة قبل الفتنة التمرية ثم أذكر من هو منها أو من بلادها أو من اجتاز بها من الرواة والعلماء والفضلاء والرؤساء ومن كان بها من الصالحين والعباد ومن نزلها واجتاز بها أو
Bogga 48
بمعاملتها من أهل الشعر والإنشاد ومن دخلها أو ملكها من السلاطين أو وليها من الأمراء والنواب والقضاة ومن وفد إليها أو إلى معاملتها من فضلاء غيرها من البلاد ومن كان له بها مباشرة من الأعيان أو وقعة أشهرت عنه فعدته من الفرسان ممن كانت وفاته من سنة ثمان وخمسين وستمائة وهي السنة التي أخذ هولاكوئين حلب وخربها ثم أنشئت عمارتها من ذلك الحين وهلم جرا على زمني ورتبتهم على حروف الهجاء في الاسم واسم الأب والجد وإن علا مهما أمكن وكذلك في حروف الاسم واسم الأب وإن علا ليكون أسهل للكشف ولم أدع الاستيعاب بل ما وقفت عليه وعلمت أو غلب على ظني أنه دخل حلب أو معاملتها أو كان من أهلها أو ولد بها فمن عثر على اسم أحد قد أهملته فليلحقه وليدع لي وله بالمغفرة والرحمة وأما الملاحم فإني أذكرها باسم من اشتهرت به وكذلك النوازل والنوادر أذكرها في ترجمة من توفي في السنة التي اتفقت فيها وسميته الدر المنتخب في تكملة تاريخ حلب وما أنا أشرع في ذكر الفصول على وجه الاختصار مستعينا في ذلك كله بالله الواحد القهار وهو حسبي ونعم الوكيل
Bogga 49
الفصل الأول في حلب وأسمائها ومن بناها وألقابها
Bogga 50
اعلم أن حلب كانت تسمى باليونانية باروا وقيل بيرو والصابئة كانت تسميها مابوغ) واسمها بالعربية حلب آوبنيت قبل بناء سلوقوس اللاذقية وسلوقية وأفامية وباروا هي حلب وأما تسميتها حلب فاختلف في ذلك فقيل إنها سميتحلب باسم حلب من بناها من العمالقة وهو حلب بن المهر بفتح الميم وقيل بكسرها من ولد حباب بن مكنف من العمالقة وهذا قول آخر من بناها وقيل إناحلب وحمص ابنا مهر بن حيض بن حاب بن مكنف من بني عمليق هما اللذان بنيا حلب وحمص فنسبتا إليهما وقيل إن حلب سميت بفعل إبراهيم الخليل على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام وذلك أن إبراهيم عليه السلام كان يرعى غنمه حولها وكان له وقت يرعى فيه الغنم ويأتي الناس إليه في ذلك الوقت فيقولون حلب إبراهيم حلب فسميت حلب لذلك وذكر أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي قال سميت حلب لأن إبراهيم عليه السلام كان يحلب غنمه في الجمعات ويتصدق به فيقول الفقراء حلب حلب فسميت به وقيل إن الذي بنى حلب صاحب الموصل والطالع العقرب والمشتري فيه وعطارد يليه وصاحب الموصل هوبلوكوس وهو الذي تسميه اليونانيون اسسردنيبلوس قيل هو الذي بنى مدينة حلب وقيل بلوكوس ملك خمسا وأربعين سنة وأول ملكه في سنة ثلاث اآلاف وتسعمائة وتسع وثمانين سنة لآدم فإن صح هذا فيكون سلوقوس بنى حلب مرة ثانية بعدما خربت وذكر آخرون في سبب عمارة حلب أن العماليق لما استولوا على البلاد وتقاسموها بينهم واستوطن ملوكهم مدينةعمان ومدينةأريحا الغور كانت قنسرين مدينة عامرة ولم يكن اسمهاقنسرين وإنما كان اسمها سوريا وكان هذا الجبل المعروف بجبل سمعان يعرف بجبل نبو صنم كان يعبدونه في موضع يعرفكفر نبو والعمائر الموجودة اليوم في هذا الجبل آثار المقيمين في جوار هذا الصنم وقد جاء ذكر هذا الصنم في كتب بني إسرائيل وأمر الله بعض أنبيائهم بكسره
Bogga 51
ولما ملك بكفورس الموصل وقصبتها يومئذنينوى كان المستولي على خطة قنسرين حلب بن المهر أحد بني الجان بن مكنف من العمالقة فاختط مدينة حلب وسميت باسمه وكان ذلك على مضي ثلاثة أآلاف وتسعمائة واثنين وستين سنة لآدم وكانت مدة ملكبكفورس هذا ثلاثين عاما وكان بناؤها بعد ورود إبراهيم عليه السلام إلى الديار الشامية بخمسمائة عام وتسع وأربعين سنة لأن إبراهيم - عليه السلام ابتلي بما ابتلي به من نمرود زمانه واسمهراميس وهو الرابع من ملوك التوراة و كانت مدة ملكه تسعا وثلاثين سنة ومدة ما بينه وبين آدم عليه السلام ثلاثة الاف وأربعمائة وثلاث عشرة سنة وفي السنة الرابعة والعشرين من ملكه ابتلي به إبراهيم عليه السلام فهرب منه مع عشيرته إلى ناحية حران ثم انتقل إلى جبل البيت المقدس وكان عمارتها بعد خروج موسى عليه السلام من مصر ببني إسرائيل إلى التيه وغرق فرعون بمائة وعشرة أعوام وكان أكبر الأسباب في عمارتها ما حل بالعماليق في البلاد الشامية من خلفاء موسى عليه الصلاة والسلام وذلك أن يوشع بن النون لما خلف موسى قاتل أريحا الغور فافتتحها وسبى وفعل وحرق وأخرب ثم افتتح بعد ذلك مدينة عمان وارتفع بعد ذلك العماليق عن تلك الديار إلى أرض سوريا وهي قنسرين وبنوا حلب وجعلوها حصنا لأنفسهم وأموالهم ولم يزالوا متحصنين بعواصمها إلى أن بعث الله داود فانتزعها منهم
Bogga 52
الفصل الثاني في ذكر حدودها وأعمالها
اعلم أن الشام له حدود أربعة من جهة مصر العريش وحده من جهة الغرب البحر وحده من جهة الشمال بلاد الروم وحده من جهة الشرق الفرات والبادية وقيل حده من العريش إلى بالس وأجناد الشام خمسة فأولها جند قنسرين ومدينتهم العظمى حلب وهي أكبر جنود الشام وأكثره مدنا وحصونا وحده من جهة الغرب البحر الرومي ومن جهة الشرق الفرات وبعض البادية إلى منتهى النظر ومن جهة الشمال درب الروم ومن جهة الجنوب حدود حمص وينتهي إلى خربة تعرف بالقرشية بالقرب من اللاذقية إلى حدود سلمية والجند الثاني جند حمص والجند الثالث جند دمشق
Bogga 53
والجند الرابع جند الأردن والجند الخامس جند فلسطين واسم الشام الأول سورية وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن البركة التي بورك في الشام أين مبلغ حده؟ قال أول حدوده عريش مصر والحد الآخر طرف التيه والحد الآخر الفرات والحد الأآخر جبل فيه هود عليه الصلاة والسلام وروي عن كعب الأحبار قالبارك الله تعالى في الشام من الفرات إلى العريش وذكر في كتاب العقد أن أول حد الشام من طريق مصر رفح ثم تليها غزة ثم الرملة رملة فلسطين وعسقلان وبها بيت المقدس وفلسطين هي الشام الأولى ثم الشام الثانية وهي الأردن ومدينتها العظمى طبرية والغور واليرموك وبيسان فيما بين فلسطين والأردن ثم الشام الثالثة الغوطة ومدينتها العظمى دمشق ومن ساحلها أطرابلس ثم رالشام الرابعة وهي أرض حمص ثم الشام الخامسة قنسرين ومدينتها العظمى حلب وبين قنسرين وحلب أربعة فراسخ وساحلها أنطاكية مدينة عظيمة ومن ثغور حلب مصيصة وطرسوس ونهر سيحان وجيحان
Bogga 54
وذكر قدامة بن جعفر في كتاب الخراج أن أبا عبيدة سار إلى قنسرين وكورها يومئذ مضمومة إلى حمص حتى جعل يزيد بن معاوية قنسرين وأنطاكية ومنبج جندا فلما استخلف الرشيد أفرد قنسرين بكورها فصير ذلك جندا وأفرد منبج ودلوك ورعبان وقورس وأنطاكية وتيزين وسماها العواصم لأن المسلمين كانوا يعتصمون بها في ثغورهم فتعصمهم قيل إن الذي جعل حلب قنسرين جندا على حدة وأفردها عن حمص هو معاوية بن أبي سفيان وكانت حمص وقنسرين شيئا واحدا وقد اختلفوا في تسمية الأجناد فقال بعضهم سمى المسلمون فلسطين جندا لأنه جمع كورا وكذلك دمشق وكذلك الأردن وكذلك حمص وقنسرين وقيل إن محمد بن مروان كان سأل عبد الملك تجنيد الأجناد ففعل ذلك وكان في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه جند الشام أربعة أجناد مفرقة في أيدي عماله وهم أبو عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد ويزدد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص فبقيت الشام على ذلك التجنيد حتى زاد فيها يزيد بن معاوية قنسرين فصارت أجناد الشام خمسة كما قدمته وذكر بعضهم أن الجزيرة كانت مضمومة إلى قنسرين فأفردها عبد الملل لأن قنسرين كانت من الجزيرة ولقنسرين كان الشرف في أول الدهر ولكنها اليوم خراب
Bogga 55
وقد ازدادت في هذا الزمان أعمال حلب فعملها اليوم من جهة الروم درندة وهي آخر عملها وما سامته من الروم إلى البحر من ناحية الغرب وبعض الجزيرة مثل الرها والرقة وجعبر والبيرة وما والاها من جهة الشرق ومن ناحية القبلة إلى قرب حماة وحماة هي اليوم منفردة بعمل لكنها قديما كانت من مضافات حلب ومضاف إليها المعرة وقرى كثيرة من بلد المعرة ونحن نذكر من كان في حماة من أهلها ومن دخل إليها وإلى معاملة حلب من جهتها على ما كان قديما إن شاء الله تعالى
Bogga 56
الفصل الثالث في ذكرفضلها وخصائصها
عن أبي هرنرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ فإذا تصافوا قالت الروم خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم فيقول المسلمون لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا فيقاتلونهم فينهزم ثد يثوب الله عليهم أبد ويقتل ثثهم ومم أفضل الشهداء عند الله ويفتت الثلك ا يفتنون أبدا فيفتتحون قسطنطينية فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان إن المسيح قد خلفكم في أهليكم فيخرجون وذلك باطل فإذا جاؤوا الشام خرج فبينما هم يعدون للقتال يسوون الفوف إذ أقيمت الصلاة فينزل عيسى بن مريم عليه السلام فامهم فإذا راه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء فلو تركه لانذاب حتى يهلك ولكن يقتله اله بيده فيريهم دمه في حربته
Bogga 57
وجه الاستدلال بهذا الحديث على فضل حلب قوله عليه الصلاة والسلام - تنزل الروم بالأعماق أو بدابق فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض ذكر بحرف الفاء وهي للتعقيب والمدينة المذكورة التي يخرج منها الجيش هي حلب لأنها أقرب المدن إلى دابق وفي تلك الناحية إنما يطلق اسم المدينة على حلب كما في قوله تعالى وجاء من أقصى المدينة حيث انصرف الإطلاق إلى المدينة التي يفهم إرادتها عند الانطلاق وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنهم من خيار أهل الأرض وحلب هي من الأرض المقدسة فقد روي عن معاذ رضي الله عنه قال الأرض المقدسة ما بين العريش إلى الفرات
وأما خواصها فمنها
سورها القديم المنيع الذي يضرب به المثل في الحصانة وكان ثلاثة أسوار وكان مبنيا بالحجارة من بناء الروم ولما دخل كسرى أنوشروان إلى حلب واستولى عليها فنقب سورها عند الحصار ثم رم ما تهدم منه فبنى بالآجر الفارسي الكبار في الأسوار التي بين باب الجنان وباب النصر فلا شيء قديما إلا لمن كان من السورين وفي أسوار حلب أبرجة عديدة جددها ملوك الإسلام بعد الفتوح وبنى نودر الدين محمود بن زنكي رحمه الله تعالى فصيلا على مواضع من الباب الصغير
Bogga 58
إلى باب العراق ومن باب العراق إلى قلعة الشريف ومن باب اليهود الذي يقال له الآن باب النصر إلى باب الجنان ومن باب الأربعين إلى باب اليهود وجعل ذلك سورا ثانيا قصيرا بين يدي السور الكبير وأمر المل الظاهر غازي ابن السلطان صلاح الدين يوسف بتجديد السور من باب الجنان إلى برج الثعابين وفتح الباب المستجد فرفع الفصيل وجدد السور والأبرجة على علو السور الأول وكان يباشر العمارة بنفسه فصار ذلك المكان من أقوى الأماكن ثم إن أتابك طغرل ابتنى برجا عظيما فيما بين باب النصر وبر الثعابين مقابل أتونات الكلس قديما ومقابر اليهود ثم إن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن عبد العزيز بن الظاهر بن صلاح الدين يوسف أمر بتجديد أبرجة من باب الأربعين إلى البرج الذي جدده أتابك فجددت أبرجة عظيمة كل برج منها حصن مفرد وبسفح من السور والأبرجة في الميل إلى الخندق فصار ذلك كله كالقلعة العظيمة ثم بالارتفاع وأمر ببناء أبرجة كبارا من باب الجنان إلى باب قنسرين فقويت المدينة بذلك
وأما قلعحة حلب
فلم يكن بناؤها بالمحكم وكان سورها أولا مهدما على ما ذكر ولم يكن مقام الملوك حينئذ فيها بل كان لهم قصور بالمدينة يسكنونها ولما أخذ الروم حلب في سنة
Bogga 59
إحدى وخمسين وثلاثمائة لجأ من لجأ إلى القلعة وستروها بالبرادع فعصمتهم من العدو وزحف ابن أخت الملكعليها فألقي عليه حجر فقتله ورحل الدمتتى عنها فاهتم الملوك بعد ذلك بعمارة القلعة وتحصينها وعصى فيها فتح القلعي على مولاه مرتضى الدولة لؤلؤ ثم سلم ذلك إلى نواب الحاكم فعصى فيها عزيز الدولة فات على الحاكم وقتل بالمركز وكان قصره الذي ينسب إليه خانقاه القصر متصلا بالقلعة والحمام المعروفبحمام القصر إلى جانبه فخرب القصر بعد ذلك تحصينا للقلعة وصار الخندق موضعه وكان هذا الحمام داثرا في أيام الملك الظاهر غازي فهدمه الملك الظاهر رحمه الله وجعله مطبخا له ولما قتل عزيز الدولة صار الظاهر وولده المستنصر يوليان واليا بالقلعة وواليا بالمدينة خوفا أن يجري ما جرى من عزيز الدولة فلما ملك بنو مرداس سكنوا في القلعة وكذلك من جاء بعدهم من الملوك وحصنوها لا سيما الملك الظاهر غازي فإنه حصنها وحسنها وابتنى بها مصنعا كبيرا للماء ومخانن الغلة ورفع باب القلعة
Bogga 60
وكان قريبا من المدينة ويصعد منه إلى باشورة هي موضع باب القلعة إلى الفتنة التمرية ثم ارتفع باب القلعة إلى موضعه الآن بحيث يحول بينه وبين المدينة الخندق ويمر إليه إلى جسر من خشب وهذا الباب بناه الأمير دمرداش نائب حلب وكان الملك الظاهر قد بنى بعض السفح بالحجر الهرقلي وعزم على تسفيحها بذلك الحجر فحالت المنية بينه وبين أمله وصده عن مراده ما حضر من أجله وكان قد وسع الخندق الذي للقلعة وعمقه وبنى حائطه من جهة المدينة فخرب ذلك الحائط وصارت قلعة في غاية الحصانة والمنعة بحيث لا ترام وحرر أيضا الملك الظاهر غازي خندق الروم وهو من قلعة الشريف إلى الباب الذي يخرج منه إلى الشام وبنى ذلك الباب ولم يتمه فتمم في أيام ولده الملك العزيز ثم استمر خندق الروم من ذلك المكان شرقا ثم يعود شمالا إلى الباب الذي حدد في أيام الملك العزيزن لضيق الميدان ويعرف اليوم بباب النيرب ثم يأخذ شمالا إلى أن يصل إلى باب القناة الذي يخرج منه إلى بانقوسا وهو باب قديم ثم يأخذ غربا من شمالي الجبيل إلى أن يتصل بخندق المدينة وأمر الملك الظاهر برفع التراب وإلقائه على شفير الخندق مما يلي المدينة فارتفع ذلك المكان وسفح إلى الخندق وبني عليه سور من اللبن في أيام الملك العزيز وولاية الأتابك طغرل وأمر الحجارون بقطع
Bogga 61
الحجارة الحوارة من ذلك الخندق فعمق واتسع وقويت به المدينة غاية القوة وأما قلعة الشريف فلم تكن قلعة بل كان السور محيطا بالمدينة وهي مبنية على الجبل الملاصق للمدينة وسورها دائر مع سور المدينة على ما هي الآن وكان الشريف أبو علي الحسن بن هبة الله الحسيني مقدم الأحداث بحلب وهو رئيس المدينة فتمكن وقويت يده وسلم المدينة إلى أبي المكارم مسلم بن قريش فلما قتل مسلم انفرد بولاية المدينة وسالم بن مال بالقلعة فبنى الشريف عند ذلك قلعته ونسبت إليه في سنة ثمان وسبعين وأربعمائة خوفا على نفسه من أهل حلب واقتطعها عن المدينة وبنى بينها وبين المدينة سورا آخر واحتفر خندقا آثاره باقية إلى الآن لكنها خفية جدا لا تظهر ولا تعرف ثم خرب السور بعد ذلك في أيام إيلغازي بن أرتق حين ملكها واستقل بملكها في سنة ست عشرة وخمسمائة فعادت من المدينة كما كانت وأما أبواب مدينة حلب فأولها باب العراق سمي بذلك لأنه يسلك منه إلى ناحية العراق وهذا الباب لم يبق منه شيء بالجملة الكافية وإنما موضعه الآن شمالي جامع الطواشي عند حمام الذهب ثم بعده إلى جهة الغرب باب قنسرين سمي بذلك لأن يخرج منه إلى جهة ناحية قنسرين وقد جدد في أيام الملك الناصر يوسف وغير عن موضعه ووسع وعمل عليه أبرجة عظيمة ومرافق للأجناد حتى صار بمنزلة قلعة عظيمة من القلاع
Bogga 62
المرجلة ثم باب أنطاكية سمي بذلك لأنه يسلك منه إلى ناحية أنطاكية ثم باب الجنان سمي بذلك لأنه يخرج منه إلى البساتين التي بحلب ثم بعده باب اليهود وسمي بذلك لأن محال اليهود من داخله ومقابرهم من خارجه وهذا الباب غيره الملك الظاهر وكان عليه بابان ويخرج منهما إلى باشورة يخرج منها إلى ظاهر المدينة فهدمه وجعل عليه أربعة أبواب كل باب بدركاة على حدة يسلك من إحدى الدركاتين إلى الأخرى في قبو عظيم محكم البناء وجعل عليه أبراجا عالية محكمة البناء ويخرج منه إلى جسر الخندق وكان على ظاهره تلول عالية من التراب والرماد وكنائس المدينة فنسفها وأزالها وجعلها أيضا مستوية وبنى فيها خانات يباع فيها الغلة والحطب وسمي هذا الباب بباب النصر وامحى عنه اسم باب اليهود فلا يعرف الآن إلا بباب النصر ثم بعد ذلك باب الأربعين وكان قد سد هذا الباب مدة مديدة ثم فتح واختلف في تسميته بباب الأربعين فقيل إنه خرج منه مرة أربعون ألفا فلم يعودوا ولم يعد سوى فرد واحد فرأته امرأة من طاق في علو وهو داخل منه فقالت له دبيران جئت فقال لها دبير من لم يجر وقيل سمي بباب الأربعين لأنه كان في داخله أربعون من العباد يتعبدون فيه وكان الباب مسدودا وقيل إن فيه أربعين محدثا وقيل كان به أربعون شريفا وبقية الأبواب ذكرناها وكان باب الأربعين قد خرب ولم يبق إلا
Bogga 63
أثاره إلى أن رسم السلطان الملك الأشرف برسباي ببناء السور البراني فهدم ما بقي من حجارة هذا الباب ولم يبق به بناء ولا حجارة ولم يزل سور حلب على الكيفية التي ذكرناها والحصانة والمنعة إلى أن أخذها هولاكو في سنة ثمان وخمسين وستمائة فخرب أسوارها وأبراجها تخريبا فاحشا وكذلك أخرب القلعة
فأما القلعة
فاستمر خرابها إلى أن جددت عمارتها في أيام سلطنة الملك الأشرف خليل بن قلاوون وهو ما حكيناه في ترجمته
وما أسوارالمدينة
فاستمرت خرابا إلى أيام نيابة الأميرسيف الدين كمشبغا الحموي في سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة فاهتم بترميم سورها وأمر به فرمم وعمل لها أبوابا تغلق عليها وكان بين باب الجنان وباب النصر باب يقال له العبارة فبني حينئذ وجدد بناؤه وسمي باب الفرج وكان قديما لحلب باب يقال له باب الفرج لكنه كان بالقرب من باب القلعة لصيق القصر الذي ينسب إليه اليوم خانقاه القصر فخربه الملك الظاهر غازي
Bogga 64
واستمر سور حلب مرمما إلى أن جاء تيمورلنك وأخذ حلب وأخربها وحرقها وهدم أسوارها ثانيا وكانببعد ذلك كل من يجيء إلى حلب من النواب يأمر ببناء بعض شيء على غير الإحكام من السور إلى أن تسلطن الملك المؤيد شيخ وجاء إلى حلب في المرة الثالثة من قدماته سنة عشرين وثمانمائة وفحص عن أمر سور حلب القديم وركب بنفسه ودار على الأسوار وكنت معه فأمر ببناء الأسوار على ما كانت عليه قديما من باب العراق من جهة الغرب إلى باب الأربعين بناء محكما وأن يرمم السور البراني الذي من جهة خندق الروم فشرع في ذلك وأمر بجمع المال له من حلب وبلادها ومن غير بلادها على ما حكيناه في ترجمته فبني واستمر ذلك نحو ثلاث سنين وبني بناء محكما وأبراجا عظيمة وابتدى بالبناء من رأس قلعة الشريف من جهة الشرق أخذا إلى جهة الغرب ووصل البناء إلى القرب من باب الجنان من ناحية الغرب ومن ناحية الشرق إلى الغرب من اتجاه جامع الطواشي وكان عزم على أن يعمل بابا عند باب العراق وبابا عند باب الأربعين كما كان قديما فلما وصل البناء إلى هذه الأماكن توفي الملك المؤيد رحمه الله تعالى ثم إن السلطان الملك الأشرف برسباي خلد الله ملكه أمر بعمارة الأسوار البرانية وأن يبنى على خندق الروم وأبطل ما كان بني من جهة جامع الطواشي وحارة بزي وفك ذلك البناء من هناك وشرع في تكملته وكان قدم حلب لأجل عمل مصلحة السور حينئذ القاضي الرئيس زين الدين عبد الباسط ناظر الجيوش بالديار
Bogga 65
المصرية فقاسه وشرع في البناء بحضوره وذلك في شعبان سنة إحدى وثلاثين وثمانمائةرثم رجع إلى القاهرة وأعلم السلطان بأمره فاستمر عند السلطان على ذلك وجعل على عمارته سيف الدين باك نائب قلعة حلب المنصورة فاهتم لذلك وشرع في عمارته والله تعالى جعل إتمامه على يديه وفي أيامه خلد الله ملكه ولم يحصل على المسلمين في بنائه في أيام السلطان الملك الأشرف صداع ولا غرامة ولا كلفة غير أنه استخرج له من القرى العامرة شيئا استعان به في عمارته وعمر على أساسه القديم بالأحجار الكبار
وأما قلعة حلب
فإن تيمورلنك أيضا خرب أسوارها وحرقها واستمرت خرابا إلى أن جاء الأمير سيف الدين جكم نائبا إليها من قبل السلطان الملك الناصر فرج بن برقوق وادعى الأمر لنفسه فأمر ببناء القلعة وألزم الناس بالعمل في الخندق وتحرير التراب منه وجد في ذلك وخرب السوق المعروف بالغربي على كتف الخندق شرقي باب القلعة وكذلك خرب مكتب السلطان حسن الذي كان تجاه باب القلعة وكان شمالي حمام الناصري قنطرة كبيرة جدا مبنية بالحجارة الهرقلية وجانبها الشمالي على كتف الخندق يقال له باب القوس البراني وقنطرة أخرى غربي القنطرة المذكورة عند طرف سوق الخيل المنحدر منه إلى جهة دار العدل وكان سوق الخيل بين القنطرتين وكانت أيضا هي قنطرة كبيرة أعظم من القنطرة الأولى ويقال لها القوس الجواني فخربها جكم وبنى بهما في البرجين اللذين استجدهما وجد في ذلك فبنى أسوار القلعة كما كانت وبنى البرجين اللذين على باب القلعة الفوقاني وأمر ببناء قصر على سطح البرجين المذكورين فبناه ولم يسقفه وذلك في سنة تسع وثمانمائة فلما تسلطن الملك مؤيد شيخ وجاء إلى حلب أمر بتسقيف القصر وأمر أن تقطع له الأخشاب من بلاد
Bogga 66