Durr Manzum
الدر المنظوم الحاوي لأنواع العلوم
Noocyada
وفي الحقيقة أن التعجب من علماء زماننا الراسخين في العلم -كثرهم الله تعالى، ونفع بعلومهم- كيف سكتوا عمن هذه صفته، مع وجوب التنبيه والتعريف بما يتحتم في الدين الحنيف، فإنه إن سلم ثبوت الفسق في هذه المسألة لم يحسن تقرير أرباب التفسيق من غير استدلال وتحقيق، بل يجب الإنكار عليهم والإعذار في ذلك إليهم، فما ظنك بمن يلقن الجهلة ذلك، ويفتيهم به، ويأمرهم باعتقاده.
أقول: لا شك في خطأ من فسق بغير برهان، وقد ورد من الوعيد عليه مالا يخفى على إنسان، لكن الواجب حمل المفسقين على السلامة، وأن التفسيق صدر منهم عن دلالة.
قوله: والمعلوم أنك لو سألت كل واحد من هؤلاء... إلى آخره.
قلنا: بل ذلك مظنون، لقرينة خفاء دليل الفسق على من هو مثلهم، والواجب إطراح الظن وإيثار الحمل على السلامة، فقد يظهر لبعض الناس من أدلة الشرع ما يخفى على آخر.
قوله: وفي الحقيقة أن التعجب من علماء زماننا... إلى آخره.
قلنا: إنما سكتوا لأنه غلب في ظنهم أن التفسيق وقع من المفسقين عن برهان، والإنكار لا يجب بل لا يحسن، إلا بعد العلم بأن الواقع منكر.
وأما تلقين ذلك الجهلة وأمرهم باعتقاده، فهو وإن سلمنا وقوعه محمول على أنه اقترن به تلقين الدليل أيضا، والأمر باستعماله، ثم إنا نقول: وأي محذور في الأمر باعتقاد ذلك، إذا كان الآمر يعتقد به التفسيق لدليل قاطع عنده؟ فإنه يحسن منه أمر غيره بالاعتقاد، ثم يحمل المأمور على أنه لا يعتقده إلا لدليل، كما يأمره باعتقاد الصانع مثلا أو صفاته.
فإن قال: إن المراد باعتقاد الصانع هو العلم به، فهو إنما أمره بالاعتقاد الواقع على وجه، والعلم إنما يصدر عن دليل، وكذلك هنا نقول فما وجه التشنيع؟
Bogga 276