Durar
الدرر في اختصار المغازي والسير
Baare
الدكتور شوقي ضيف
Daabacaha
دار المعارف
Lambarka Daabacaadda
الثانية
Sanadka Daabacaadda
١٤٠٣ هـ
Goobta Daabacaadda
القاهرة
عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ١ وَضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، فَأَنَا كَذَلِكَ إِذْ سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ قَدْ وَافَى عَلَى ظَهْرِ سَلْعٍ٢ [يُنَادِي٣ بِأَعْلَى صَوْتِهِ]: يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ، فَخَرَرْتُ لِلَّهِ سَاجِدًا وَعَلِمْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ الْفَرَجُ، وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى الْفَجْرَ فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا. وَرَكَضَ رَجُلٌ إِلَيَّ فَرَسًا وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ حَتَّى وَافَى عَلَى الْجَبَلِ، وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ.
فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُمَا إِيَّاهُ، وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ يَوْمَئِذٍ غَيْرَهُمَا، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا ثُمَّ انْطَلَقْتُ أَتَيَمَّمُ٤ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَتَلَقَّانِيَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنِي بِالتَّوْبَةِ، وَيَقُولُونَ: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ، حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ جَالِسٌ، حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَحَيَّانِي وَهَنَّأَنِي، وَوَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ قَالَ: فَكَانَ كَعْبٌ لَا يَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ. قَالَ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ على رَسُول اللَّه ﷺ قَالَ [لِي] ٥ وَوَجْهُهُ يَبْرُقُ مِنَ السُّرُورِ: "أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ" قُلْتُ: أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؟ قَالَ: "لَا بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ" قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا اسْتَبْشَرَ كَأَنَّ وَجْهَهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ. فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي إِلَى اللَّهِ أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ" قُلْتُ: إِنِّي مُمْسِكٌ سَهْمِيَ الَّذِي بِخَيْبَرَ. وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْجَانِي بِالصِّدْقِ وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لَا أُحَدِّثَ إِلا صِدْقًا مَا بَقِيتُ. وَكَانَ مَا نَزَلَ فِي شَأْنِي مِنَ الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ٦ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ﴾ إِلَى قَوْله: ﴿يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين﴾ .
١ رَحبَتْ: اتسعت.
٢ سلع: جبل بِالْمَدِينَةِ.
٣ زِيَادَة من ر وَابْن هِشَام.
٤ أتيمم: أقصد.
٥ زِيَادَة من ابْن هِشَام.
٦ وَفِي تَتِمَّة حَدِيث كَعْب بن مَالك تَعْلِيقا على قَوْله تَعَالَى: ﴿وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا﴾: وَلَيْسَ الَّذِي ذكر الله من تخليفنا عَن الْغَزْوَة وَلَكِن لتخليفه إيانا وإرجائه أمرنَا عَمَّن حلف لَهُ وَاعْتذر إِلَيْهِ فَقبل مِنْهُ. انْظُر ابْن هِشَام ٤/ ١٨١.
1 / 246