Ilmooyinka Bilyatsho
دموع البلياتشو: مجموعة قصصية تنشر لأول مرة
Noocyada
قال سعيد وهو يقبل هدى وهابي: لازم كان من المعلقات.
أقبل على الأولاد يريهم القمصان الجديدة والمايوهات والصنادل، ما أطيبه وما أكثر حبه لها ولأولادها، وما أشد ثقتها فيه واطمئنانها بجانبه، إنها لا تذكر أنه أغضبها يوما بكلمة حادة أو خارجة، أو أخر لها طلبا من نفسها، أو بخل عليها بملبس أو مأكل أو نزهة.
وراحت تخلع ثيابها في صمت وترتدي ملابس البيت، كان شيء كالخدر يزحف من قدميها إلى رأسها، ومن رأسها إلى قدميها، شيء ثقيل كالصداع أخذ يدق بضرباته فوق عينيها ويجثم على أنفاسها ويزحف مع نبضها ودمها، وارتمت على الفراش وكل شيء يهتز أمام عينيها ويدور ويخلط كدوامة من الألوان والأصوات والحركات، واتسعت العينان الجائعتان الصامتتان أمامها، وتحجرت فيها النظرة الفظيعة الخرساء، وامتدت أمامها اليد المتشنجة كيد ميت تخترق النعش فجأة، وأخذت تتقدم منها وتتقدم حتى أحست أنها تلكمها في وجهها لكمة شديدة، صرخت مفزوعة، ثم انفجرت باكية، وحين أسرع سعيد إليها وسألها ملهوفا عما بها ألقت ذراعيها حول عنقه ودفنت رأسها في صدره وقالت وهي تنشج: لا شيء يا حبيبي، لا شيء أبدا.
لماذا نسيتني؟
ارتعشت يد الخفير العجوز لحظة قبل أن تضع المفتاح الأسود الغليظ في ثقب الباب، ومال برأسه الصغير إلى الأمام ليتطلع في وجه الزائر الغريب، ثم دفع باب المدفن الصفيحي فصر صريرا مخيفا كاد يغطي على الصوت الرقيق الذي يسأله: ألا تعرفني يا عم عوض؟
قال الرجل وهو يدعوه أن يتفضل بالدخول، ويمر بعينيه الكليلتين على الوجه الأبيض الذي لا يذكره: لا مؤاخذة يا سيدنا الافندي، العتب على النظر.
ضحك الزائر قائلا: هل نسيت حسني يا عم الشيخ؟
مر الشيخ عوض بيده المعروقة على وجهه المتجهم كأنه يحاول أن يتذكر أو يحتج احتجاجا أخرس على الضحكة التي رنت في غير مكانها، ويجبرها على التراجع أمام هيبة الموت ووحشة القبور: حسني بيه؟ ابن الحاج جابر؟ والله سلامات، يا مرحبا بأهل مصر، الله يرحم والدك.
قال الأستاذ حسني بعد أن خطا خطوتين في داخل المدفن وطالعته ثلاثة قبور تداخلت في بعضها البعض، فبدت كظهور موجات غطاها الزبد الأبيض: الله يرحم الجميع.
نفض عم عوض التراب بجلبابه عن مرتفع صغير أعد للزائرين، ودعاه للجلوس وهو يتمتم بالفاتحة، ثم أراد أن يستأذن في الانصراف معتذرا بإتمام حراسته حين سأله الأستاذ حسني في خجل: لا مؤاخذة يا عم عوض، من عشر سنين وأنا غائب عن البلد، المرحومة أمي مدفونة هنا، قبل الحاج بسنين، هل تعرف ...
Bog aan la aqoon