فظَلَّ الإماءُ يَمْتَلِلْنَ حُوَارَها ... ويُسْعَى علينا بالسّدِيفِ المُسَرْهَدِ (١)
فإن مُتُّ فانعِنيني بما أنا أهْلُهُ ... وشُقّي عليَّ الجَيْبَ يا ابنَةَ مَعْبَدِ (٢)
ولا تَجْعَلِيني كامرىءٍ ليسَ هَمُّهُ ... كَهَمّي ولا يُغني غَنائي ومَشهَدي
بطيءٍ عنِ الجُلّى، سريعٍ إلى الخَنى ... ذَلُولٍ بأجْماعِ الرّجالِ مُلهَّدِ (٣)
فلو كُنْتُ وَغْلًا في الرّجالِ لَضَرّني ... عَداوَةُ ذي الأصْحابِ والمُتَوحِّدِ (٤)
ولكِنْ نَفى عنّي الرّجالَ جَراءتي ... عليهِم وإقدامي وصِدْقي ومَحْتِدي (٥)
لَعَمْرُكَ، ما أمْري عليّ بغُمّةٍ ... نهاري، ولا لَيلي علىَّ بسَرْمَدِ (٦)
ويومَ حَبَسْتُ النّفسَ عِند عِراكِهِ ... حِفاظًا على عَوراتِهِ والتّهَدّدِ
على مَوطِنٍ يخْشى الفتى عندَهُ الرّدى ... متى تَعْتَرِكْ فيه الفَرائِصُ تُرْعَدِ (٧)
وأصفَرَ مَضْبُوحٍ نَظَرْتُ حِوارَهُ ... على النارِ واستوْدَعتُهُ كَفَّ مُجمِدِ (٨)
ستُبدي لكَ الأيامُ ما كنتَ جاهِلًا ... ويأتِيكَ بالأخبارِ مَن لم تُزَوّدِ
ويَأتِيكَ بالأخبارِ مَنْ لم تَبِعْ له ... بَتاتًا، ولم تَضْرِبْ له وقْتَ مَوعدِ (٩)
_________
(١) الإماء: النساء ومفردها الأمة. يمتللن: يضعن لحمها على الجمر. الحوار: ابن الناقة. السديف: لحم السنام. المسرهد: المربى. وهذا البيت شبيه ببيت ورد في معلقة امرئ القيس حيث يقول:
وظل العذارى يرتمين بلحمها ... وشحمٍ مهدَّاب الدمقس المفتلِ
(٢) ابنة معبد: ابنة معبد بن العبد شقيق الشاعر. انعيني: أشيعي خبر موتي.
(٣) الجلى: المصيبة الداهية. الخنى: السوء والفحشاء. الملهد: المضروب بالكف وفي الأمر كناية عن الذل والمهانة.
(٤) الوغل: الضعيف.
(٥) محتدي: أصلي.
(٦) الغمّة: العتمة والظلمة. السرمد: الذي لا ينتهي.
(٧) الردى: الموت. الفرائض: مفردها الفريضة وهي لحمة في أعلى الكتف وأعلى الفخذ ترتجف عند الخوف.
(٨) الأصفر: صفة لموصوف محذوف هو القدح. المضبوح: القريب من النار. المجمد: الذي لا حظّ له في لعبة الميسر.
(٩) البتات: ثوب المسافر.
1 / 29