115

Diraasaad ku Saabsan Mad-hababka Suugaaneed iyo Bulsho

دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية

Noocyada

ولم تشتهر روما بجامعاتها كما اشتهرت بمضامير الفروسية وميادين الرياضة، ولكنها كانت كثيرة الندوات التي يتكلم فيها الحكماء والخطباء، ويشرح فيها العلماء دروسهم للطلاب وغير الطلاب، وربما كان المتحف الإسكندري خير مثال للجامعة الرومانية في أرقى أطوارها، فهو مزيج من المدرسة اليونانية والمدرسة المصرية، مع جموح إلى الأدب الشائع في دولة الرومان.

ولما خيم الظلام على القارة الأوروبية لم يخل الشرق من معاهد التعليم التي تنوب في زمانها عن الجامعات، فكانت هناك مدرسة جنديسابور الفارسية، ومدرسة الرها السريانية، ودور الندوة التي يتلاقى فيها حكماء العرب وشعراؤهم وعلماء الأنساب منهم ليتعلموا ويعلموا كل ما عندهم من معلومات الأدب والحكمة والتاريخ والنجوم، وتتبعها الأسواق الدورية التي تعرض فيها بضاعة التاجر وبضاعة الشاعر، وكل بضاعة تروج عند قصاد تلك الأسواق.

ولما ظهر الإسلام مضت بضعة قرون قبل ظهور الجامعات؛ لأن المسجد الجامع كان يغني عن المدرسة الجامعة، وفيه يجلس العلماء بين مواقيت الصلاة للمحاضرة في النحو أو اللغة أو الفقه أو الحديث أو علم الكلام، حتى إذا مضى القرن الرابع وتعددت العلوم واتسعت رقعة الدولة قامت الجامعات في القاهرة وبغداد ونيسابور وقرطبة وغرناطة وأشبيلية ومالقة ودمشق وبيت المقدس، وازدهر أكثر هذه الجامعات قبل الجامعات الأولى في القاهرة الأوروبية، وهي جامعات بولونيا الإيطالية وباريس الفرنسية وأكسفورد الإنجليزية، وأقدمها نشأ في الثاني عشر للميلاد، ومن قبلها في القرن الحادي عشر نشأت مدرسة «سالرنو» لتدريس الطب خاصة، وظلت مفتوحة إلى أن قضت عليها حروب نابليون.

ومما لا خلاف فيه أن العلوم في الجامعات الحديثة أوفر وأوسع من نظائرها في الجامعات الأولى، إلا أن الجامعات الحديثة لا تزال في حاجة إلى التعليم من تلك الجامعات التاريخية، إذا هي أرادت أن تحقق معنى التربية الجامعية كما فهمها الأقدمون، وينبغي أن يفهمها المحدثون.

إن كانت للجامعة مزية على المدرسة فهي مزية «التعليم الحي» واشتراك «الشخصية» كلها في إلقاء الدروس، وتلقين المثل وإحسان القدوة والاقتداء بين الأساتذة والطلاب، وحرية الفكر في العصر الحديث مكفولة بحكم القانون على نحو لم يعهده الأقدمون في أمم كثيرة، ومع هذا يرجح الأقدمون في استقلال «الشخصية العلمية» على المتعلمين المحدثين؛ لأن شخصية المعلم كلها بعقلها وروحها وضميرها وآداب سلوكها كانت تلتقي بشخصية الطالب الذي لا يحول بينه وبين أستاذه حائل من جانب العقل أو الروح أو الضمير، أما الجامعة العصرية فقد أوشكت الصلة الآلية فيها أن تنوب عن الصلة الشخصية الحية التي لا تنقطع قديما في معاهد التعليم العليا، بل أوشكت التربية الجامعية أن تكون صفقة تجارية بتكاليفها ومواعيدها وأثمان كتبها وأوراقها، فليس لها من «الشخصية الحية» نصيب موفور.

ويحضرني هنا رأي للفيلسوف الإسباني «أورتيجا أي جاسيت» عن مهمة الجامعة يلخص فيه هذه المهمة في خلق المعارف والإعداد لخلقها لا في مجرد التحصيل والإحاطة بالمعلومات «المجهزة»، ويسألونه عن اقتباس النظام الثانوي من إنجلترا؛ لأنها امتازت بمدارسها الثانوية، وعن اقتباس النظام الجامعي من ألمانيا؛ لأنها امتازت بفيض المعارف الجامعية فيعجب لهذا السؤال ولا يرى نفعا في التعويل على الاقتباس وحده كائنا ما كان موضوع الاقتباس؛ لأن النظام عظيم بأمته وليست الأمة عظيمة بنظامها، ومن قال إن «المدرسة الثانوية» ممتازة في البلاد الإنجليزية فإنما يذكر جانبا واحدا من جوانب الامتياز الكثيرة التي تتعدى التعليم إلى السياسة والتجارة والتشريع والألعاب الرياضية، وليس شيء من ذلك بالذي ينقله الناقلون مع نظام المدارس الثانوية، أن نظام التعليم ينقل من بلد إلى بلد غريب.

والفيلسوف الإسباني على صواب لا ريب فيه، فلا خير في تزويد الجامعات بما يسمونه حرية الفكر وقداسة الحرم الجامعي وإطلاق المواعيد للأساتذة والطلاب، إذا كان ذلك كله محصورا في نطاق الجامعة، معزولا عن الخلائق القومية التي تحيط بها وتشرف عليها، ويوم يقال هذا بلد عظيم يقال هذه جامعة عظيمة، ولا ينعكس الوصف يوما على وجه من الوجوه.

الفصل السابع والعشرون

تصوف إقبال ... من الهند أو الإسلام

اشتهر محمد إقبال باسم شاعر الإسلام.

Bog aan la aqoon