Diraasaad ku Saabsan Mad-hababka Suugaaneed iyo Bulsho
دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية
Noocyada
الجامعة في التاريخ
تتابعت أطوار كثيرة على كلمة «يونيفرستي» التي يطلقها الغربيون اليوم على المدرسة الجامعة التي يتلقى فيها الطلاب دروسا عالية في مختلف المعارف البشرية من العلوم والآداب والفنون.
فكان معنى كلمة «يونيفرس» - في أول وضعه - الدورة الواحدة؛ لأنهم كانوا يعتقدون أن الأفلاك تدور بعضها على بعض وتجتمع كلها في فلك الكون الأعظم الذي يدور على نفسه دورة واحدة، ومن ثم أطلقت الدورة الواحدة على الكون الذي يشمل كل شيء، ثم أطلقت على كل مجتمع شامل من الناس والأشياء، وكانت تطلق في القرون الوسطى على نقابات الحرف والصناعات، فكانت نقابة البنائين مثلا تعرف باسم جامعة البنائين أو البناء، وكذلك نقابة الصاغة والنجارين والمعلمين، وسائر نقابات الصناع والمشتركين في عمل واحد، ولم تخصص الكلمة بالمدرسة الجامعة كما نعرفها اليوم إلا بعد القرن الثالث عشر للميلاد، وبعد أن نشأت الجامعات الأوروبية الأولى بنحو مائة وخمسين سنة.
لكن الجامعة كانت أقدم من اسمها في التاريخ بنحو ثلاثين قرنا ذاهبة في القدم إلى عهود الحضارات الأولى بوادي النيل وما بين النهرين، وليس يعرف على التحقيق أين نشأت الجامعات الأولى في البلاد الشرقية، ولكن القول الراجح أنها نشأت في مصر ولحقت عند نشأتها بالهياكل والبلاطات الملكية، فكان المتخصصون للعلم يلوذون بمدارس الهياكل، وكان طلاب الوظائف يلوذون بمدارس الكتبة التي يتخرج منها موظفو الحاشية الملكية وموظفو الدواوين على العموم.
كان أرسطو يقول: إن كهان مصر شغلوا بطلب العلم لذاته، خلافا لما شاع أخيرا من غلبة المنفعة على أغراض التعليم جميعا في مصر القديمة، وكان أفلاطون يضرب المثل بالمتعلمين المصريين في حذق المعارف الرياضية والهندسية بصفة خاصة، وكان هيرودوت يقول: إن كهان مصر كانوا يتحدثون إليه كأنهم يتحدثون إلى تلميذ صغير، ومن المشهور أن صولون وأفلاطون حضرا بعض الدروس في جامعة عين شمس، وأن موسى - عليه السلام - كان من طلاب الجامعات المصرية، وقد كانت في مصر مدارس لا يحصيها التاريخ، أهمها وأكبرها: جامعات عين شمس، ومنف، وطيبة. ودروسها تباح لمن يقدر على طلبها ولا تصطبغ بالصبغة المصرية إلا حين يقع الاختيار على المرشحين للكهانة من بين نجباء الطلاب، فيفضي إليهم الكهان الأساتذة بما يحجبونه عن سائر الطلاب.
وقد كان النظام صارما في جميع المدارس المصرية من أدناها إلى أعلاها، ومن أقوالهم المأثورة: «إن أذني التلميذ في ظهره»، ويعنون بها أن يفتح سمعه حين تقع عصا المعلم على ظهره للتأديب والتنبه، وربما ارتفعت العصا عن ظهور الطلاب الكبار الذين يرشحون للكهانة والمناصب العليا، ولكنهم يستعيضون في هذه الحالة بوقار الدين والمنصب عن وقار النظام وصرامة العقاب.
وقامت في بابل وفارس القديمة جامعات حافلة بطلاب العلوم ومنها الفلك والطب والزراعة، ووجدت آثار كلية للبنات في بابل، وامتاز التعليم الفارسي القديم - كما قال هيرودوت وزينوفون - بالتربية البيتية، ثم التربية على أصول الفروسية والنخوة، فكان الطفل يتعلم في حضانة أمه إلى الخامسة ولا يرى أباه قبل ذلك، ثم يتعلم على أيدي الأساتذة إلى أن يبلغ العشرين ويتخرج بعد ذلك مثلا في الطاعة والصدق ورعاية حقوق الأسرة والعرش والدين.
وكانت جامعات الهند تتولى تحفيظ القصائد الدينية لطلابها مع كتب الصلوات والأناشيد، ولا يباح التعليم في الجامعات في الطبقة المحرومة بطبيعة الحال، ولكنه يقسم على حسب الطبقات وما تحتاج إليه من التربية، وأعظمها تربية الكهان والولاة.
أما اليونان فقد نشأت جامعاتهم بعد الجامعات الشرقية بزمن طويل، وكانت في أول العهد بها كالندوات والأندية التي يجتمع فيها الأستاذ وتلاميذه للمحاضرة والمحاورة، ثم قامت عندهم جامعة أثينا التي كانت قبلة الطلاب من بلاد بحر الروم، وفي مقدمتها بلاد الدولة الرومانية، ويدل على مكانة هذه الجامعة أن شيشرون الخطيب الروماني الكبير قد أرسل إليها ابنه ليتعلم فيها الفلسفة والبيان.
ويظهر أن جامعة أثينا هي النموذج الذي تحكيه الجامعات العصرية في القارتين الأوروبية والأمريكية، فقد كانت لها مسابقات ومحافل وسهرات يتغاضى عنها الرؤساء والأساتذة، وكانت لطلابها مراسم في استقبال الطالب الجديد كالمراسم التي يسمونها الآن «بالتدشين» ويفرضون فيها على الطالب الجديد أن يستسلم لما يصيبه من زملائه، وإن بالغوا في التهزئة وأغلظوا في المزاح، وكانت هذه الحفلات بمثابة كسر القيود جميعا بين الطلاب كأنهم من أسرة واحدة قد امتنعت فيها الكلفة كل الامتناع.
Bog aan la aqoon