Diraasaad Falasafi ah
دراسات فلسفية (الجزء الأول): في الفكر الإسلامي المعاصر
Noocyada
8 (ج)
لقد خرج التراث الإسلامي كله تعبيرا عن هذه الوحدة، وانطلقت علومه كلها من المركز وهو القرآن، تنسج نفسها كدوائر حوله، فظهر التوحيد متحققا في التراث والعلم والحضارة. (د)
ظهر التوحيد أيضا في وحدة التاريخ ووحدة الشعوب كلها. فقد استطاع الإسلام التوحيد بين القبائل، وصهر الشعوب، وأسقط كل حواجز اللغة ولون البشرة والطبقات الاجتماعية والقومية والعنصرية. وأصبح العمل الصالح مقياسا واحدا وشاملا للجميع.
9
رابعا: مدى قدرة الفكر الإسلامي على استشراف المستقبل الأفضل
وارتياد آفاقه، وبيان الطرق لتحويل الأفكار إلى واقع تطبيقي
لقد استطاع الفكر الإسلامي القديم أن يقوم بنفس الدور المناط به حاليا. فقد استطاع بقدراته الذاتية على الخلق والإبداع احتواء كل الحضارات القديمة وتمثلها. كما استطاع التوحيد الانتشار فوق الحضارتين القديمتين وفتح إمبراطوريتي الفرس والروم ووراثة العالم القديم كله. والإسلام اليوم في نفس الظروف وبنفس الإمكانيات، والتحدي الأعظم بالنسبة لنا هو: هل يمكن الوصول إلى نفس النتائج؟ إن الإسلام اليوم محاط بأكبر إمبراطوريتين حديثتين وأقوى دولتين عظميين، لم تنهكهما الحروب بعد. والعالم الإسلامي بموقعه الجغرافي الفريد وإمكانياته العالية من حيث المواد الأولية، والنفط، والثروات الطبيعية، والأسواق، والأيدي العاملة، والخبرات البشرية لا حد لها. ورصيدنا ضخم في العالم الثالث، حيث نكون قلب أفريقيا وآسيا، وأمريكا اللاتينية تشاركنا نفس الهموم والرغبة في الاستقلال والتحرر.
ولكن السؤال كيف يمكن تحقيق ذلك بالفعل؟ وما هي العقبات التي تحول دون ذلك؟ إن الإسلام يريد أن يخطط ليحقق وينتج، لا مجرد تأمل نظري (البوذية) أو شهادة من أجل التاريخ (المسيحية). ولا يوجد إلا ثلاثة طرق: (أ)
طريق التنظيمات السرية، الذي تتبعه بعض فصائل الحركة الإسلامية أو العلمانية (الماركسية)، وهو الطريق الذي اتبعته الثورات العربية والتي أدت إلى الانقلابات العسكرية. وهو طريق مسدود لأن التغير الاجتماعي والنهضة الشاملة أكثر بكثير من الانقلابات والاستيلاء على السلطة. فطالما حصلت اتجاهات على السلطة زاد التعتيم، وتوالت الهزائم، واتسع التخلف. وطالما لم تحصل تيارات على السلطة وكان لها أبلغ الأثر في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية. وكيف يمكن الدعوة للإسلام سرا وهو ليس جريمة، ولسنا باطنيين؟ وكيف تنجح دعوة سرية في دولة تقوم أساسا على أجهزة الأمن، وعيونها في كل مكان؟ ولطالما جربنا ذلك فكانت النتيجة الصدام مع النظم القائمة ونكوص الحركة الإسلامية أو انتشارها على نحو مرضي راغب في الثأر والانتقام. فالدعوة السرية إذن، لكثير من الأسباب، طريق مسدود. (ب)
الخروج العلني، وعصيان النظم القائمة، والجهر بالعداء، وتكفير حكم البشر. والصدام المسلح أو على أقل تقدير المواجهة العنيدة. فأي نظام قائم لن يترك السلطة اختيارا، وأي مواجهة مدنية لجماعات دينية لن تصل إلى السلطة، بل سيتم حصارها وتكفيرها وعزلها، فتنفر الناس منها. والناس أقرب إلى طاعة أولي الأمر من الخروج عليهم. وماذا يجدي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإتيان بمنكر أعظم منه وضياع المعروف؟ وكيف يقبل التغيير من بيده السلطة وهو مدان مكفر مجرح سلفا؟ فالجهر بالعداء والدعوة إلى الخروج العلني أيضا طريق مسدود. (ج)
Bog aan la aqoon