Diraasaad ka ku Saabsan Muqaddimah Ibn Khaldun
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
Noocyada
يبدأ الفصل الأول من الباب الثاني بتقرير المبدأ التالي: «اعلم أن اختلاف الأجيال في أحوالهم إنما هو باختلاف نحلتهم من المعاش، فإن اجتماعهم إنما هو للتعاون على تحصيله» (ص120).
يشرح ابن خلدون هذه القضية الأساسية، ويبرهن عليها في فصول عديدة، كما أنه يقرر أهمية العوامل الاقتصادية في تطور الدول واستفحال الحضارة أيضا بعبارات صريحة جدا.
إن فصل طروق الخلل للدولة يبدأ بتقرير القضايا التالية: «اعلم أن مبنى الملك على أساسين لا بد منهما؛ فالأول الشوكة والعصبية، وهو المعبر عنه بالجند، والثاني المال، الذي هو قوام أولئك الجند. «والخلل إذا طرق للدولة طرقها في هذين الأساسين» (ص294).
كما أنه يعزو دورا هاما إلى الأحوال الاقتصادية في أمر «حدوث الهرم» أيضا.
ذلك لأن «طبيعة الملك تقتضي الترف»، والترف يؤدي إلى زيادة نفقات الناس، حينئذ «لا يفي دخلهم بخرجهم، فالفقير منهم يهلك، والمترف يستغرق عطاءه بترفه» (ص168).
إن هذه الأحوال الاقتصادية تؤثر في الأخلاق أيضا؛ لأن استفحال الحضارة والترف يقترن بوجه عام بارتفاع أسعار الحاجيات، وهذا الارتفاع يزيد في مشاكل المعيشة، وتلك المشاكل تؤدي إلى انحطاط الأخلاق.
إن المصر الكثير السكان يختص بالغلاء في أسواقه وأسعار حاجياته، ثم تزيدها المكوس غلاء؛ فتعظم نفقات أهل الحضارة، ويخرج عن القصد إلى الإسراف، وتذهب مكاسبهم كلها في النفقات، ويتتابعون في الإملاق والخصاصة، ويغلب عليهم الفقر، ويكثر منهم الفسق والشر والسفسفة، والتحيل على تحصيل المعاش من وجهه ومن غير وجهه» (ص372).
إن مقدمة ابن خلدون مملوءة بمثل هذه الآراء والملاحظات التي تقرر علاقة الاقتصاديات بطبائع الأمم وأطوار الدول.
ولهذه الأسباب إنني أعتقد اعتقادا جازما بأن القول بأن «شرف إدخال عنصر الاقتصاد في علم التاريخ يعود إلى مونتسكيو»، ما هو إلا افتئات صريح على الحقيقة والواقع، وأجزم بلا تردد بأن هذا الشرف يعود إلى ابن خلدون الذي سبق مونتسكيو في هذا المضمار مدة تزيد على ثلاثة قرون.
هذا وإني أقول - زيادة على ذلك - إن ابن خلدون لا يمتاز على مونتسكيو - في هذه القضية - من جراء سبقه إلى فهم «علاقة التاريخ بالاقتصاد» سبقا زمانيا فحسب، بل إنه يمتاز عليه من جراء عمق التفكير ودقة النظر التي أظهرها في بحث ودرس هذه العلاقة أيضا.
Bog aan la aqoon