Diinta Aadanaha
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
Noocyada
وفي موقع شانيدار بالعراق، لدينا دلائل على عادة إحاطة جسد الميت بأنواع معينة من البراعم والأزهار، تبين للدارسين أنها من النوع الذي يستعمل اليوم لتحضير أنواع معينة من الأدوية والعقاقير، كما عثر في العديد من المقابر النياندرتالية المشرقية على هدايا جنائزية كالأدوات وعظام الحيوانات، ووجدت الأدوات حتى في قبور المواليد الجدد الذين لم يعرفوا بعد كيفية استخدامها.
6
ومن موقع شانيدار في العراق أيضا، لدينا اكتشاف على جانب كبير من الأهمية، يطلعنا على مدى تماسك الجماعة النياندرتالية، وتعاطف أفرادها وتعاونهم وحسهم الأخلاقي العالي؛ فقد عثر على هيكل رجل في الأربعين من عمره، تبين من الدراسة الدقيقة لعظامه أن صاحبه قد عاش طيلة حياته مشلول الجزء الأيمن من الجذع، وأنه غالبا ما استعان بأسنانه لتعويض حركة ذراعه الأيمن، ومع ذلك فقد وصل إلى هذه السن المتقدمة، بمعيار ذلك العصر، بفضل مساعدة الآخرين وحدبهم، وتم دفنه بكل عناية كما يدفن بقية الأفراد العاديين. وفي هذا ما يدل على درجة عناية الجماعة بأفرادها حتى المعوقين منهم وغير القادرين على بذل مجهود مساو في تحصيل القوت، وهي عناية قد لا تتوفر في بعض المجتمعات الحديثة والمتطورة.
7
والآن، ما هي النتائج التي يمكن أن توصلنا إليها الدراسة المتأنية لبقايا مدافن النياندرتال، والفرضيات التي يمكن صياغتها حول الحياة الروحية لذلك العصر؟ قبل المغامرة بتقديم الفرضيات، لا بد لنا من تصنيف هذه البقايا لمعرفة ما إذا كانت تبدي تكرارا يجعل منها شعيرة أو طقسا ثابتا. فأولا: في أغلب الحالات كانت الجثث مطوية بشدة ضمن حفر صغيرة وفي قبور إفرادية. وثانيا: تم توجيه الأجساد وفق محور شرق غرب في بعض الحالات لدى النياندرتال الأوروبي، وفي أغلب الحالات لدى النياندرتال المشرقي الأكثر تطورا من الناحية المورفولوجية. ثالثا: هناك العديد من الأمثلة تتم عن عناية خاصة برأس الميت، حيث تمت حمايته بأحجار كبيرة. رابعا: لدينا حالات غير شائعة عن إحاطة الجسد ببراعم وأزهار من أنواع معينة منتقاة. خامسا: هناك شواهد عديدة على قربان حيواني تم عند الدفن، وعلى دفن مواز لبقايا الحيوانات المذبوحة. سادسا: لدينا أمثلة كثيرة على هدايا جنائزية مكونة من أدوات أو عظام منتقاة، وقد وجدت الأدوات حتى في قبور الأطفال أو المواليد الجدد.
من تصنيفنا لإجراءات الدفن أعلاه، يتضح أن تكرارها عبر المناطق الواسعة التي انتشرت فيها ثقافة النياندرتال، يوحي بشعائر دفن قائمة على موقف أيديولوجي متماسك من مسألة الموت، ساد من شواطئ الأطلسي إلى أواسط آسيا، ويمكن تلمس خطوطه العامة ببعض الثقة، ووفق الاستقراء الآتي:
فأولا:
هناك معتقد واضح بأن الكائن الحي يتألف من جسد مادي وروح لطيفة، وأن هذه الروح تستقل عن جسد الميت لترحل إلى عالم آخر مواز لعالم الأحياء. ويبدو أن الروح في اعتقاد النياندرتالي كانت تكتسب عند استقلالها قوة غير عادية، تتخذ شكلا نافعا أو ضارا وفقا لموقف الأحياء منها. وهذا هو التفسير الذي يقود إليه إجراء ثني ركبتي الميت في حيزه الضيق القصير؛ لأن هذا الوضع من شأنه منع الجسد من التمدد والخروج إلى عالم الأحياء، إذا عاودته الروح التي غدت، بانفصالها، غريبة عن عالم الأحياء ومحملة بالقوى المؤذية.
ثانيا:
يتخذ الرأس أهمية خاصة في معتقد الروح المفارقة والعالم الموازي. ويدلنا على ذلك حماية الرأس بالألواح الحجرية، وكذلك توجيهه نحو الشرق الذي يرمز إلى البعث؛ لأنه بوابة ميلاد أكبر الأجرام السماوية، وهما الشمس والقمر. ونرجح أن الإنسان النياندرتالي قد اعتقد بأن الرأس هو مقر الروح، خصوصا وأن مثل هذا الاعتقاد قد وجد في العصر الحجري الحديث اللاحق.
Bog aan la aqoon