Diinta Aadanaha
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
Noocyada
ويعتبر النص العربي الأكثر قربا إلى النص الذي خطه ماني؛ لأن المؤلفين العرب كانوا على اطلاع مباشر على المراجع المانوية المتوفرة بين أيديهم في ذلك الوقت، وكانت المانوية ما تزال حية خلال القرون الأولى للعصر الإسلامي، وتشكل منافسا حقيقيا للإسلام في الأقطار المفتوحة. يقول ماني: «مبدأ العالم كونان؛ أحدهما نور والآخر ظلام، كل منهما منفصل عن الآخر. فالنور هو العظيم الأول - ليس بالعدد - وهو الله ملك جنان النور، وله خمسة أعضاء هي الحلم والعلم والعقل والغيب والفطنة، وخمسة أخر روحانية هي الحب والإيمان والوقار والمروءة والحكمة. وهو بصفاته هذه أزلي، ومع شيئين أوليين هما أرض النور وجو النور، وأعضاء جو النور خمسة هي الحلم والعلم والعقل والغيب والفطنة، وأعضاء أرض النور هي النسيم والريح والنور والماء والنار. أما الكون الآخر، وهو الظلمة، فأعضاؤه خمسة، وهي الضباب والحريق والسموم والسم والظلمة.
وذلك الكون النير مجاور للكون المظلم لا حاجز بينهما، فلا نهاية للنور من فوقه ولا يمنته ولا يسرته، ولا نهاية للظلمة من سفلها ولا من يمنتها ولا من يسرتها. ومن الأرض المظلمة كان الشيطان الذي ليس أزليا بعينه رغم أن مكوناته بحد ذاتها أزلية. ورأس هذا الشيطان كرأس أسد، وبدنه كبدن تنين، وجناحه كجناح طائر، وذنبه كذنب حوت، وأرجله أربع كأرجل الدواب. فلما تكون هذا الشيطان من الظلمة تسمى إبليس القديم، ثم راح هذا الإبليس يتحرك يمنة ويسرة وإلى الأسفل يهلك كل من غالبه. ولما رام العلو رأى لمحات النور، فأعد نفسه وتسلح استعدادا للانقضاض على مملكة النور من أسفلها، فعلم به ملك جنان النور واحتال لقهره، وكان جنوده قادرين على قهر إبليس ولكنه أراد أن يتولى ذلك بنفسه، فأولد مولودا، وهو الإنسان القديم،
18
وندبه لقتال الظلمة، فتدرع الإنسان القديم بالأجناس الخمسة، وهي النسيم والريح والنور والماء والنار، واتخذها سلاحا؛ فأول ما لبس النسيم، وارتدى على النسيم العظيم بالنور المشع، وتعطف على النور بالماء ذي الهباء، واكتن بالريح الهابة، ثم أخذ بيده النار كالمجن والسنان، وانحط بسرعة نحو مكان إبليس. وعمد إبليس القديم إلى أجناسه الخمسة، وهي الدخان والحريق والظلمة والسموم والسم، فتدرعها، ولقي الإنسان القديم فاقتتلوا مدة طويلة، ولكن إبليس ظهر على الإنسان القديم، وبلغ من نوره، وأحاط به مع أجناسه وعناصره، ولكن ملك جنان النور أرسل وراءه نجدة من قوى عالم النور خلصت الإنسان القديم وأسرت من أرواح الظلمة.
وحدث لما شابك إبليس القديم بالإنسان القديم بالمحاربة، أن اختلط من أجزاء النور الخمسة بأجزاء الظلمة الخمسة؛ فخالط الدخان النسيم، فمنها هذا النسيم الممزوج؛ فما فيه من اللذة والترويح عن الأنفس وحياة الحيوان فمن النسيم، وما فيه من الهلاك والإيذاء فمن الدخان. وخالط الحريق النار، فمنها هذه النار؛ فما فيها من الإحراق والهلاك والفساد فمن الحريق، وما فيها من الإضاءة والإنارة فمن النار. وخالط النور الظلمة، فمنها هذه الأجسام الكثيفة مثل الذهب والفضة وأشباه ذلك؛ فما فيها من الصفاء والحسن والنظافة فمن النور، وما فيها من الدرن والكدر والغلظ والقساوة فمن الظلمة. وخالط السموم الريح، فمنها هذه الريح؛ فما فيها من المنفعة واللذة فمن الريح، وما فيها من الكرب والتعوير والضرر فمن السموم. وخالط الضباب الماء، فمنها هذه الماء؛ فما فيها من الصفاء والعذوبة والملاءمة للأنفس فمن الماء، وما فيها من التغريق والتخنيق والإهلاك والثقل فمن الضباب.
فلما اختلطت الأجناس الخمسة الظلمية بالأجناس النورية، نزل الإنسان القديم إلى غور العمق فقطع أصول الأجناس الظلمية لئلا تزيد، ثم انصرف إلى موضعه من الناحية الحربية، فأمر بعض الملائكة باجتذاب ذلك المزاج إلى جانب من أرض الظلمة يلي أرض النور، فعلقوهم بالعلو. وبعد ذلك أمر ملك عالم النور بعض ملائكته بخلق هذا العالم وبنائه من تلك الأجزاء الممتزجة، من أجل تخليص أجناس النور من أجناس الظلمة، فبنى عشر سموات وثماني أرضين، ووكل ملكا بحمل السموات وآخر برفع الأرضين، وجعل حول هذا العالم خندقا ليطرح فيه الظلام الذي يستصفى من النور، وجعل خلف ذلك الخندق سورا لكيلا يذهب شيء من تلك الظلمة المفردة عن النور، ثم خلق الشمس والقمر لاستصفاء ما في العالم من النور، فالشمس تستصفي النور الذي امتزج بشياطين الحر، والقمر وسائر النجوم تستصفي النور الذي امتزج بشياطين البرد. وهكذا فأجزاء النور أبدا في الصعود والارتفاع، وأجزاء الظلمة أبدا في النزول والتسفل، حتى تتخلص الأجزاء من الأجزاء، فيبطل الامتزاج وتنحل التراكيب، ويصل كل إلى كله وعالمه، وذلك هو القيامة والمعاد.
ومما يعين في التخلص والتمييز ورفع أجزاء النور، التسبيح والتقديس والكلام الطيب وأعمال البر؛ فترتفع بذلك الأجزاء النورية في أعمال عمود الصبح (درب التبانة، طريق المجرة المضيء) إلى فلك القمر، فلا يزال القمر يقبل ذلك من أول الشهر إلى النصف، فيمتلئ فيصير بدرا ثم يؤدي إلى الشمس، إلى آخر الشهر، فتدفع الشمس إلى نور فوقها في عالم التسبيح، فيسير في ذلك العالم إلى النور الأعلى الخالص، ولا يزال يفعل ذلك حتى لا يبقى من أجزاء النور شيء في هذا العالم. فإذا انقضى التدبير ورأت روح الظلمة خلاص النور وارتفاع الملائكة والجنود والحفظة، رامت القتال، فيزجرها الجنود من حولها، فترجع إلى قبر قد أعد لها، ثم يسد على ذلك بصخرة تكون مقدار الدنيا، فتتم حينئذ الراحة من الظلمة وأذاها.»
19
قد لا تقابل هذه الأسطورة كل المعايير التي أوردتها سابقا، ولكنها بالتأكيد مثال ناصع على ارتباط الأسطورة بالمعتقد ارتباطا يصعب معه الفصل بينهما في بعض الأحيان. •••
المعتقد والطقس والأسطورة، هذه هي المقومات المكونة للدين، والتي لا نستطيع التعرف على الظاهرة الدينية في تبديها المجتمعي، بدون التعرف عليها مجتمعة ومتعاونة. إن الحالة المثالية هي الحالة التي لا يطغى فيها أحد هذه العناصر على العناصر الأخرى، ولكن واقع الأمور لا يضعنا إلا فيما ندر أمام مثل هذه الحالة المتوازنة، ومعظم الأديان يبدي تفوقا لأحد هذه العناصر على الأخرى؛ ففي تعاليم بوذا الأصلية، والتي استمرت فيما عرف إلى اليوم ببوذية ال «هينايانا» (ومقابلها بوذية المهايانا)، لا نواجه إلا معتقدا خلوا تماما من الميتافيزيك، ومصاغا بطريقة مباشرة. وقد رفض البوذا في كل مناسبة التحدث عن الماورائيات منبها إلى أن هم الإنسان ينبغي أن يتركز على تحرير نفسه من عالم المظاهر والانطفاء في «النيرفانا» حالة السكون الأبدي، كما رفض حتى الدخول في شروح وتفصيلات حول حالة النيرفانا هذه، مفضلا الإشارة إلى طرق وسبل تحقيقها. ونظرا لغياب القوى الماورائية في المعتقدات البوذية من أي نوع، فقد حلت المجاهدات الروحية محل الطقوس، وانعدمت الأساطير بشكل كامل، فيما عدا سيرة البوذا نفسه، التي صارت إلى حال يشبه الأسطورة. أما أديان الشرق القديم فتقدم لنا مثالا مغايرا تماما؛ فهنا تسود الأسطورة الدينية وترتقي مراتب لم تبلغها في أية ثقافة أخرى، خصوصا في سومر وبابل، كما يرتفع شأن الطقوس ليغلب على الأسطورة في مصر الفرعونية. وفي الديانات المدعوة بالديانات السحرية يرتفع شأن الطقوس القائمة على معتقدات غامضة وتنعدم الأساطير، ومثال هذه عبادة «الفوندو» في أفريقيا وهاييتي.
Bog aan la aqoon