Diinta Aadanaha
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
Noocyada
7
إن ما يحدث فعلا في تجربة الشقين عندما نقذف الإلكترونات فرادى، هو أن احتمال سقوط الإلكترون المفرد، يتحسس كلا الشقين محدثا موجتين تجتازان إلى الجهة الأخرى وتتداخلان مع بعضهما، وبما أن ذرى إحدى الموجتين ووديان الأخرى تتضافر أو تتفانى، محدثة حزما ممتلئة وأخرى فارغة (أو مضيئة ومظلمة في حال قذف الفوتونات)، فإن هناك احتمالا أكبر لتوجه الجسيم نحو مواضع الحزم الأكثر وميضا والابتعاد عن الحزم المظلمة. وبسبب اللاتعيين المتأصل في موضع الإلكترون وحركته، وهو اللاتعيين الذي يؤدي إلى الطبيعة الموجية، فإنه ليس من الممكن التنبؤ بالمسار الذي سوف يسلكه الجسيم فعلا، إلا أنه يمكن التنبؤ بسلوك مجموعة كبيرة من الإلكترونات على أساس إحصائي، وذلك من خلال التحليل الرياضي للموجة. ولقد أظهرت التجارب بعد ذلك أن الطبيعة الموجية والجسيمية للفوتون والإلكترون، تتعداهما إلى بقية مكونات الذرة والعالم الصغري إجمالا، بل وللذرة نفسها وللجزيئات. وأكثر من ذلك؛ فإن تمتع العالم الصغري بموجات احتمال، يقود إلى القول بوجود موجات الاحتمال في العالم الكبري أيضا؛ فلكل شيء في عالمنا موجة احتمال خاصة به؛ الكرة المقذوفة، والسيارات المنطلقة ، وحتى الناس أنفسهم. غير أن ما يمنع من ملاحظة أثر الأمواج الاحتمالية في العالم الكبري هو قصرها المتناهي في الصغر.
في تجارب ميكانيك الكم، هنالك دوما منطقة للتجهيز ومنطقة للقياس؛ ففي تجربة الشقين مثلا، تتألف منطقة التجهيز من القاذف الإلكتروني ومن الحاجز ذي الشقين، وقد وضعا وفق ترتيب معين مدروس. أما منطقة القياس (أو الرصد)، فتتألف من اللوح الفوتوغرافي الحساس الموضوع على بعد معين من منطقة التجهيز. نقوم بإعداد الجسيم في منطقة التجهيز، ثم يترك ليرتحل إلى منطقة القياس، بشكل معزول عن المؤثرات الخارجية (وفي الحقيقة، فإن عمليات التحضير والقياس تكون في معظم الحالات أكثر تعقيدا من تجربة الشقين، خصوصا في تجارب تصادم الجسيمات التي تجري في المسارعات النووية). من حيث المبدأ، فإننا نتصور الجملة المقاسة وهي ترتحل بين المنطقتين دون تدخل أو توجيه، وفق قانون سببي خاص وضع أسسه الفيزيائي النمساوي أروين شرودينغر عام 1924م في معادلته المعروفة بمعادلة شرودينغر الموجية؛ ذلك أن ما يجري بين منطقة التجهيز ومنطقة القياس أثناء الارتحال المفترض للجسيم هو انتشار لممكنات، يجري تمثيله رياضيا بما يدعوه الفيزيائيون بالدالة الموجية (= التابع الموجي
wave function )؛ لأنها تبدو رياضيا كموجة تنتشر في حلقات. وهذه الدالة هي ابتكار ذهني رياضي يمثل كل الممكنات التي يمكن أن تحدث للجملة المقاسة (الإلكترون مثلا) عندما تتفاعل مع جملة المراقبة التي تتضمن معدات القياس والرصد، إضافة إلى القائمين على التجربة أنفسهم. ويجري تشكيل الدالة الموجية رياضيا بواسطة معادلة شرودينغر من أجل كل لحظة بين زمن مفارقة الجسيم لمنطقة التجهيز وظهور أثره في جملة المراقبة. وبعد الانتهاء من حساب دالة الموجة، نقوم بإجراء عملية رياضية على الدالة من أجل الحصول على دالة أخرى ندعوها بدالة الاحتمال، وهذه تخبرنا عن الاحتمالات القائمة في كل زمن لكل ممكن ممثل في دالة الموجة، فهي تقول بأن هناك فرصا مقدارها كذا وكذا لتحقيق هذا الممكن أو ذاك.
إن الدالة الموجية للإلكترون المرتحل في مثالنا، تحتوي على النتائج الممكنة كلها لتفاعله مع أجهزة الرصد، وذلك كأن يهبط الإلكترون في المنطقة أ أو ب أو ج أو د من اللوح الحساس، فما إن يتخذ الإلكترون مساره حتى تدخل الدالة الموجية في أطوارها المتغيرة وفق معادلة شرودينغر، إلى أن يتفاعل الجسيم مع جملة المراقبة. في هذه اللحظة يتحقق واحد من الممكنات المتضمنة في الدالة الموجية، وتتحول بقية الممكنات إلى صفر؛ أي إن الدالة الموجية تفقد كيانها وتتلاشى. كل هذا يعني أننا لا نعرف شيئا بالفعل عن حالة الجسيم بين منطقة التجهيز ومنطقة القياس، كما أننا لا نعرف عن مكان هبوطه على اللوح الحساس، كل ما نستطيع القيام به هو حساب احتمالات متتابعة عن مكان الهبوط، أما فيما بين المنطقتين فلا يوجد لدينا جسيم مؤكد في حالة الحركة. ومن الناحية الرياضية، لا يوجد جسيم على الإطلاق. وعليه فإننا لا نستطيع وصف حالة الجسيم بمفاهيم محددة ذات طبيعة متعارضة؛ لأنه لا يوجد في مكان محدد، وفي الوقت نفسه غير غائب تماما، وهو لا يغير موضعه، وفي الوقت نفسه لا يبقى في مكان ثابت. إن ما يتغير هنا هو النمط الاحتمالي. وبكلمات الفيزيائي روبرت أوبنهايمر: «لو تساءلنا مثلا: هل يبقى موضع الإلكترون على حاله؟ كان الجواب بالنفي. ولو تساءلنا: هل يتغير موضع الإلكترون بمرور الزمن؟ كان الجواب بالنفي. ولو تساءلنا: هل هو في حالة حركة؟ كان الجواب بالنفي.»
8
ويقول الفيزيائي نيلز بوهر: «إن الجسيمات المادية المستقلة، ليست إلا تجريدات من صنعنا، أما خصائصها فلا يمكن تحديدها وملاحظتها إلا من خلال تفاعلها مع جمل أخرى.»
9
وهكذا تكشف نظرية الكم عن علائقية متأصلة في طبيعة الكون؛ فهي تظهر عدم مقدرتنا على تقسيم المادة إلى وحدات مكونة أولية منفصلة بعضها عن بعض. صحيح أننا كلما أوغلنا في عالم المادة وجدنا أنها مؤلفة من جسيمات، إلا أن هذه الجسيمات ليست تلك اللبنات الأساسية التي تصورها ديموقرطيس ونيوتن، بل هي تجريدات ذات فائدة عملية من أجل التعامل مع المادة. ففي المستوى ما دون الذري، في عالم الجسيمات الأولية، تتحول الأجسام المادية إلى أنماط موجية احتمالية، وهذه الأنماط الاحتمالية لا تمثل احتمالات لأشياء بل احتمالات لعلائق متبادلة. إن التحليل المتأني لعملية الملاحظة والرصد هنا، تظهر أن الجسيمات ما دون الذرية لا يمكن فهمها ككيانات مستقلة، وإنما كعلائق بين ما يجري في مرحلة التحضير للرصد ومرحلة القياس اللاحقة. وبذلك تطلعنا نظرية الكم على الوحدة الضمنية للكون، بإظهارها عدم إمكانية تجزئة العالم إلى مكونات متناهية في الصغر تتمتع بوجود مستقل عن الكل، وأن هذا الكل ليس إلا نسيجا متصلا من العلائق التي تكونه، أما الوعي الإنساني الذي يراقب الطبيعة ويحاول فهمها بشكل تجزيئي، فليس إلا جزءا من هذه العلائقية الشمولية؛ إنه النقطة التي تنتهي عندها أية حادثة وتتخذ معناها.
ينقلنا موضوع الرصد الذي كنا نجريه لغاية الكشف عن الجسيم، إلى مسألة جديدة من مسائل الفيزياء الكوانتية، وهي دور المراقب في تحقيق الحادثة التي كانت مطوية في موجات الاحتمال؛ ذلك أن الدالة الموجية تتلاشى في منطقة القياس عندما يتداخل المراقب من أجل تحقيق أحد الاحتمالات. فإلى أي حد يساهم الوعي في صنع الحادثة الفيزيائية؟ تطلعنا الفيزيائية الحديثة على أمر في غاية الغرابة، وهو أننا لا نستطيع رصد شيء في العالم الصغري دون أن نعمل بذلك على إحداث تغيير فيه؛ فالمراقب وموضوع مراقبته يتداخلان، وهما في حالة اعتماد متبادل لا تنفصم عراه. وبتعبير آخر، فإن ما نحصل عليه من خلال فعل المراقبة، ليس معلومات موضوعية عن «العالم الخارجي»، بل معلومات عن تداخلنا وتفاعلنا مع هذا «العالم الخارجي». وهذا ما يدعوه الفيزيائيون بالتكاملية
Bog aan la aqoon