Diinta Aadanaha
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
Noocyada
يد الله فوق أيديهم (الفتح: 10)،
ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين (آل عمران: 54). والمفهوم الثاني يأتي من آيات مثل:
ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون (الواقعة: 85)، و
إن الله لغني عن العالمين (العنكبوت: 6). ومن أحاديث قدسية مثل: «ما وسعتني سمائي ولا أرضي، ووسعني قلب عبدي المؤمن.» الذي يذكرنا بقول الأوبانيشاد: «هو رب اليوم ورب الغد، ولكن القلب الذي بحجم إصبع الإبهام مقر له ومكان.» واللقاء بين هذين المفهومين في الفكر الصوفي يأتي من وحدتهما الضمنية، واختلافهما في الظهور والتجلي؛ ذلك أن الأصل في الألوهة الكمون والغنى، وما درجات التشخيص التي تتجلى بها سوى أمر اقتضاه ظهور الكون عنها؛ فالموجودات هي التي تتطلب من الألوهة الصفات والأسماء، وبغير الموجودات تبقى الألوهة ذاتا مستغرقة في نفسها. يقول عبد الكريم الجيلي في كتابه الإنسان الكامل: «إن ذات الله سبحانه وتعالى عبارة عن نفسه التي هو بها موجود؛ لأنه قائم بنفسه. فالذات لا تدرك بمفهوم عبارة، ولا تفهم بمعلوم إشارة؛ لأن الشيء إنما يفهم بما يناسبه فيطابقه، أو بما ينافيه فيضاده. وليس لذاته في الوجود مناسب ولا مطابق ولا مناف ولا مضاد؛ فارتفع من حيث الاصطلاح إذن معناه في الكلام، وانتفى بذلك أن يدرك للأنام. المتكلم في ذات الله صامت، والناظر باهت. عز أن تدركه العقول والأفهام، وجل أن تجول فيه الأفهام والأفكار، لا يتعلق بكنهه حديث العلم ولا قديمه ... وهذا الوجود المطلق هو الذات الساذج الذي لا ظهور فيه لاسم أو نعت أو اسم أو إضافة، ولا لغير ذلك .»
1
المرتبة الأولى في خروج الألوهة من كمونها وغناها، يؤشر إليها ظهور الممكنات فيها جميعا، ولكن بحكم البطون لا بحكم الظهور؛ فكل ما سيظهر للوجود فيما بعد، كان في حيز الممكن الثابت في الذات الإلهية الغنية. فهنا يتجلى المطلق في نفسه ولنفسه، وتتأمل الألوهة نفسها دون أن تلحقها الاعتبارات والإضافات. ويدعى هذا التجلي الأول للذات بالأحدية. يقول الجيلي: «الأحدية عبارة عن مجلى الذات، ليس للأسماء ولا للصفات فيه ظهور؛ فهي اسم لصرافة الذات المجردة عن الاعتبارات الحقية والخلقية. وليس لتجلي الأحدية في الأكوان مظهر أتم منك إذا استغرقت في ذاتك، ونسيت اعتباراتك، وأخذت بك فيك عن ظواهرك، فكنت أنت في أنت من غير أن ينسب إليك شيء مما تستحقه من الأوصاف. ومجلى الأحدية هو أول تنزلات الذات من ظلمة العماء إلى نور المجالي، وهو أعلى المجالي؛ لأن كل مجلى بعده لا بد أن يتخصص.»
2
والتخصص هو أن تدير الألوهة وجهها نحو الخارج وتخرج من بطونها وكمونها، فتنتقل بذلك إلى التجلي الثاني المدعو بالألوهية، وهو الذي يظهره نشوء الثنائيات ضمن الأحدية، وهنا يظهر الاسم «الله»، وهو الاسم الذي يبصر الحق به نفسه، ويتوصل الخلق به إلى معرفة الألوهية. يقول: «الألوهية أعلى مظاهر الذات؛ إذ له الحيطة والشمول على كل مظهر، وهيمنة على كل اسم أو وصف. واعلم أن جميع حقائق الوجود وحفظها في مراتبها تسمى الألوهية. وأعني بحقائق الوجود الحق والخلق؛ فشمول المراتب الإلهية وجميع المراتب الكونية، وإعطاء كل حقه من مرتبة الوجود؛ هو معنى الألوهية. والله اسم لرب هذه المرتبة ... والحق سبحانه وتعالى لا سبيل إلى معرفته إلا عن طريق أسمائه وصفاته، وكل الأسماء والصفات واقع تحت الاسم: الله. واعلم أن الحق سبحانه وتعالى جعل هذا الاسم هيولى كمال صور المعاني الإلهية، وكان كل من تجليات الحق التي لنفسه في نفسه داخلا تحت حيطة هذا الاسم، وما بعده إلا الكلمة المحضة التي تسمى بطون الذات في الذات. وهذا الاسم هو نور تلك الظلمة، فيه يبصر الحق نفسه، وبه يتوصل الخلق إلى معرفته ... واعلم أن الوجود والعدم متقابلان، وفلك الألوهية محيط بهما؛ لأن الألوهية تجمع الضدين من القديم والحديث، والحق الخلق، والوجود والعدم. يظهر الحق فيها بصورة الخلق، مثل قوله في الحديث الشريف: رأيت ربي في صورة شاب أمرد. ويظهر الخلق بصورة الحق مثل قوله: خلق آدم على صورته.»
3
فالألوهية والحالة هذه هي برزخ بين الذات الكامنة والخلق الذي يصدر عنها، إنها مرتبة الذات من حيث كونها إلها يعبد ويقدس، ومن خلالها يتوصل العقل إلى معرفة الألوهة. ويمكن هنا إجراء مقارنة مع التصورات التانترية الهندوسية في أيقونة جزيرة الدرر؛ فالذات المستغرقة في نفسها لنفسها في الأحدية تقابل شيفا الهاجع؛ المطلق المستغني بنفسه عن العالمين؛ أما الألوهية التي تظهر فيها التناقضات والثنائيات، فتقابل شيفا الصاحي الذي يستعد لخلق العالم بواسطة المايا؛ قوة الألوهة الخالقة. كما يمكن أيضا إجراء مقارنة بين فلك الألوهية الذي يحيط بالوجود والعدم، بدائرة التاو التي تحيط بالضدين الأساسيين في الفكر التاوي.
Bog aan la aqoon