Diinta Aadanaha
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
Noocyada
ولد المهافيرا، مؤسس الجاينية، في بيت ملكي في مقاطعة بيهار الحالية عام 599ق.م. على ما تذكره التقاليد الجاينية، وعندما بلغ سن الرشد تزوج وأنجبت له زوجته ابنة. ولكن الشاب كان كثير التأمل، عازفا عن حياة الترف المحيطة به، وغالبا ما كان ينسل من القصر إلى الغابة القريبة حيث كان يلتقي بجماعة من النساك المتجولين، منجذبا إلى طريقة حياتهم، واجدا في الاستماع إليهم ما يرضي ذهنه الباحث وروحه المتقدة. وعندما توفي والداه وشبت ابنته عن الطوق، قرر أن يهجر حياة الناس نهائيا، فباع كل ما يملك من ذهب وفضة وعهد بأسرته إلى أخيه الأكبر، ثم مضى في رحلة طويلة من أجل البحث عن الحقيقة. تجول المهافيرا حافيا عاريا في غابات وسهول وقرى مناطق الهند الوسطى، مؤمنا بأن إعتاق الروح من دورة الحياة والموت، لا يتم إلا بتجاهل الجسد واحتياجاته الطبيعية، وبالتزام مبدأ ال
Ahimsa ، أي عدم الإيذاء، الذي يتضمن تجنب الأذية لأي كائن حي، من الإنسان وصولا إلى أصغر حشرة يمكن رؤيتها بالعين. ولم يكن يقضي أكثر من ليلة واحدة في كل قرية، أو أكثر من خمس ليال في كل بلدة؛ كي لا تشده أية رابطة إلى مكان أو أية صلة حميمة إلى الناس. وغالبا ما كان القرويون يرون جالسا في العراء في وضعية التأمل، مستغرقا في ذاته عن كل ما حوله، غير عابئ ببرد أو ريح أو مطر. وبعد اثني عشر عاما من التطواف والتأمل، وفي إحدى جلسات استغراقه العميق، سطع النور في داخله ووصل إلى الاستنارة الكاملة، فصار جينا
Jina ، أي المنتصر، الذي قهر الموت وحرر روحه من عالم السمسارا، ومن هذه الصفة جاءت الجاينية. وعندما أفاق من استغراقه، أخذ يبشر ويجمع الأتباع يعلمهم طريق الخلاص، حتى بلغ الثانية والسبعين من عمره حيث قرر مغادرة العالم، وقطع الأواصر التي تشد الناس إلى الميلاد والشيخوخة والموت، متحررا إلى الأبد من كل ألم.
4
عاشت الجاينية بعد موت مؤسسها قرونا طويلة بين مد وجزر، وما زال لها أتباع يعيشون اليوم في منطقة بومبي بشكل رئيسي، وهم في جلهم من رجال الأعمال الناجحين.
تقوم تعاليم الجاينية على الإيمان المطلق بالإنسان كسيد وحيد لنفسه، وبقدرته على تحقيق الخلاص والانعتاق دون معونة من أية جهة علوية أو تحتية كانت. ورغم اعتقاد الجاينية بوجود كائنات متفوقة تدعى الآلهة، إلا أن هذه الكائنات خاضعة مثل الإنسان إلى دورة السمسارا، ولا ترجى منها شفاعة؛ لأن عليها أن تخلص نفسها قبل أن تكون قادرة على تخليص الآخرين. وفي هذا يقول المهافيرا: «أيها الإنسان، أنت صديق نفسك. فلماذا تبحث عن صديق خارج ذاتك؟» من هنا، فإن العالم غير مخلوق، وهو أزلي قائم بنفسه منذ القدم، وهو يتألف من مكونين هما عالم المادة وعالم الروح. تتألف المادة من ذرات دقيقة جدا تتجمع وفق أنماط معينة لتشكل صنوف المادة المتنوعة كالتراب والماء والهواء وما إلى ذلك. وهي تتدرج في الكثافة من المواد الشديدة الصلابة إلى نوع خفيف جدا من التكوينات المادية التي لا تستطيع الحواس اكتشافها لرقتها وخفتها، ومن هذه مادة الكارما التي تترسب على الأرواح فتثقل عليها نتيجة لأعمالها السيئة. أما عالم الروح، فيتألف من جماع الأرواح الفردية المنبثة في الكائنات الحية كلها، وهو عالم خير على عكس عالم المادة السيئ. والأرواح خيرة في طبيعتها وأصلها، إلا أن ما تجنيه من أعمال سيئة، يؤدي إلى تداخل عالم المادة بعالم الروح فتعلق منه بعض مواده الخفيفة في الروح، وهي مادة الكارما، فتثقل عليها وتجرها إلى تقمصات أدنى في سلم الكائنات الحية. ولا يجلو أثر هذه المادة عن الروح سوى الأعمال الصالحة، التي تجعل الروح خفيفة متخلصة من أدرانها فترتقي سلم الوجود، ربما نحو عالم الآلهة حيث تتقمص هناك جسد إله ما، ثم صعودا فصعودا حتى تحقيق الانعتاق الكامل من دورة السمسارا.
بعد تحقيقها للانعتاق الذي يأتي بالمعرفة الداخلية والسلوك القويم، تعيش الأرواح في القسم الأعلى من الكون المدعو
Isatpragbhar ، في سلام أبدي حائزة على المعرفة المطلقة والقوة المطلقة والقداسة المطلقة. وبما أن الجاينية لا تؤمن بثنائية أتمان-برهمان، وبتطابق الروح الفردية مع المطلق الكلي وذوبانها فيه، فإنها ترى أن الأرواح الفردية في حالة الانعتاق تحافظ على فرديتها ولا تذوب في كيان كلي، وهي رغم فقدانها للصفات والخصائص والعلائق، إلا أنها تبقى في حالة وعي تام وكامل. ويصف الروح المنعتقة أحد النصوص الجاينية فيقول: «إن المنعتق ليس بالطويل ولا بالقصير، وليس بالثقيل ولا بالخفيف. إنه بلا جسم؛ لأنه لن يبعث بعد ذلك أو يتناسخ، ولا شيء يصله من قريب أو بعيد بعالم المادة، إنه ليس بأنثى وليس بذكر، كما أنه ليس حيادي الجنس أيضا، إنه يدرك ويعرف، ولكننا لا نستطيع أن نعرف كيف.»
إن أقصر طريق لتحقيق التحرر الذي حققه المهافيرا، هو الزهد والتنسك والصوم وفقا لقواعد معينة، ويجب أن يترافق ذلك مع ممارسة الاستغراق الباطني (
Meditation ) الذي يعزل العقل عن وظائفه المباشرة اليومية، ويوجهه نحو تحقيق المعرفة الباطنية التي توصل إلى التحرر، بعد تطهير النفس من كل رغبة وتعلق بأشياء العالم المادي. وبما أن الناس جميعا ليسوا على درجة واحدة من الاستعداد لمثل هذا الطريق الشاق، فإن الجاينية تقسم أتباعها إلى فريقين؛ فريق الرهبان الذين نذروا أنفسهم لتحقيق الخلاص، وهم يعيشون في الأديرة والمعابد الجاينية، أو يتجولون في العراء دون مأوى، وفريق عامة المؤمنين الذين يمارسون الحياة اليومية المعتادة. وقد استنت الجاينية لهؤلاء العامة شريعة أسهل تطبيقا واتباعا من شريعة الرهبان، وتتضمن اثني عشر بندا أخلاقيا هي: (1) عدم إيذاء أو قتل أي مخلوق حي. (2) عدم الكذب. (3) عدم السرقة. (4) الإخلاص الزوجي. (5) الابتعاد عن الطمع وتكديس الثروة. (6) الابتعاد عن كل ما من شأنه تسويغ الخطيئة. (7) الاكتفاء بالحد الضروري من وسائل العيش. (8) الانتباه للخطايا التي يمكن تجنبها. (9) إفراد أوقات معينة لممارسة الاستغراق الباطني. (10) إفراد أوقات لممارسة الزهد والتنسك. (11) قضاء أوقات معينة، وعلى فترات، في سلك الرهبنة. (12) تقديم الطعام والكساء اللازم للرهبان المتفرغين لطريقة المهافيرا. وقد قادت هذه الأخلاق القويمة التي اتبعها الجاينيون إلى إكسابهم ثقة الناس واحترامهم، وإلى نجاحهم في كل المجالات العملية.
Bog aan la aqoon