Dowladda Cuthmaaniyiinta ka hor iyo ka dib dastuurka
الدولة العثمانية قبل الدستور وبعده
Noocyada
كان أرباب التجارة من السوريين إذا أثروا فيها أقاموا فيها حتى الموت، وإذا جمعوا ثروتهم بالأسفار عادوا في الغالب بتلك الثروة فتمتعوا بها في أخريات حياتهم في تلك الربوع الفيحاء، فلما تفاقم الاستبداد والتعنت في الأحكام في العقدين الآخرين من السنين الفوائت بات السكن في المدن السورية - ولا سيما في الثغور وعلى التخصيص في بيروت - مما يحرج النفوس في الصدور، ومداراة الحكام مما يذهب الصبر والمال. وكانت مصر - وهي شقيقة سوريا في اللغة والعادات والأخلاق وجارتها القربى - راتعة في بحبوحة من الأمن وصفاء العيش، توجهت أنظار أرباب المال إليها كما توجهت إليها أنظار الطبقة الوسطى وأرباب الأقلام، فكانت لهم جميعا ملجأ أمينا يقصده طالب الرزق للإقامة، ويرتاده التاجر الغني للنزهة شتاء، ويغتنم فرصة من تلك النزهة لإنماء ثروته بالمضاربات بالمال والعقار. فلما كادت تزهق أرواح السوريين في بلادهم تهافت رهط من أعلى طبقات هؤلاء التجار على تصفية أشغالهم وبيع عقارهم بأبخس الأثمان وطلقوا سوريا بتاتا، وأتوا فأقاموا في القطر المصري ورحل بعضهم إلى أوروبا.
وقد أجهدت النفس مرة بإحصاء ما نقص من ثروة مدن سوريا - وأخصها بيروت وحلب - بجلاء هؤلاء التجار عنها في هذه المدة القصيرة؛ فبلغ زهاء سبعة ملايين من الليرات العثمانية.
ولا ريب أن هذه الثروة بقيت للسوريين، بل زادت كثيرا بما أضيف إليها من الكسب، ولكنها خرجت من البلاد ولم تكن لترجع إليها قط لا كلا ولا بعضا، لو لم يمن الله بنعمة الدستور.
ولكن البلاء الأعظم الذي ابتليت به البلاد: جلاء الفلاح عن أرضه.
كانت الحكومة الغابرة في أول أمرها تنفذ الأوامر حينا بعد حين بمنع المهاجرة من سوريا، ولكن تلك الأوامر إنما كانت وسيلة لرجال «المابين» وعمالهم من الولاة لأجل ابتزاز الأموال من المهاجرين، حتى ضرب بعض الولاة لنفسه ضريبة معلومة على كل مهاجر، وأطلق العنان لحفاظ الأمن يبتزون ما شاءوا لأنفسهم ولمن والاهم من حمال وبحار وواسطة وعميل.
وأشد تلك الأوامر كان بحجر الفلاح المسلم القاطن في الولايات السورية مما خرج عن لبنان، ومع هذا فلم يكن يعدم المسلمون وسيلة للانسلال مع النصارى سرا في أول الأمر ثم جهرا مع مواطنيهم. وإليك بيان وسيلة من تلك الوسائل التي كان يتفكه بها أولئك الظلام من رجال الضبط وعملائهم لتسهيل سبل السفر للمسلمين.
قصد ثغر بيروت من فلاحي البقاع نحو عشرين رجلا بين سني وشيعي، وبينهم رجل شيعي طويل اللحية، فأخذه دلال المهاجرة بيده إلى عزلة، وقال له: لا بد لك يا صاح من حلق لحيتك - وإن من عرف عادات القوم في تلك الأصقاع يعلم أن القضاء على الرجل منهم بقطع يده أسهل عليه من القضاء بحلق لحيته - فأبى واشتد اللجاج بينهما، ورجع الرجل عن عزمه على السفر، فأتى رفاقه وخافوا أن يصابوا بأذى شديد إذا انثنى عنهم، فما زالوا به حتى أقنعوه بقصها قصا.
وهكذا بعد أن كان المهاجرون المسلمون نزرا يسيرا من فلاحي لبنان أخذت الغيرة فلاحي سواحل سوريا، ثم امتدت إلى فلاحي البقاع، فأعالي سهول حمص وحماة، حتى شوهد بين مهاجري المسلمين أفراد من البدو، ولولا لطف الله بهذا الدستور لسرت الغيرة في داخل البلاد حتى بغداد، وخصوصا بعد ما كان يبلغ ذلك الفلاح البائس في أرضه أن إخوانه في سعة من العيش والحرية في ديار الغربة، ومنهم الآن العامل والزارع والتاجر، وأن لهم هنالك يدا بمعاونة بعضهم بعضا مما لا يتاح لهم في نفس بلادهم.
وهذه الجمعية الخيرية الإسلامية في البرازيل لا تغادر بائسا منهم على بؤسه؛ فتعول المقعد وتدواي المريض وتنفق على المعوز الراغب في معاودة وطنه، وحكومة الاستبداد في نفس بيروت بددت شمل جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية - كما مر بك.
قصدت بلودان في صيف سنة 1906 مع رفقة من صفوة أدباء دمشق الشام من آل العظم والبخاري والعسلي وشهبندر وبلودان، هذه قرية غناء فوق روض أريض من رياض البقاع، تعلو عن سطح البحر 1500 متر، جنات تجري من تحتها الأنهار، لو كانت في ديار الأمن والعدل لكانت منتجع الرواد. يتمنى ابن باريس لو يقطع منها بضعة أمتار يرتاض فيها بعد العناء ويرتاح بعد العياء. وهي مع ذلك كسائر القرى حقيرة البيوت ذات طرق معوجة ضيقة كمعابر الماعز في غاب الجبال، يصعد إليها النازل من قطار سكة الحديد عند محطة الزبداني في مسلك أشبه بلولب منه بطريق يمتد متعرجا على ثلاثة أميال. قد اعتادت حمر تلك البلاد تسلقه بلا عناء، فركبنا الحمير وخلفنا أصحابها من أهل تلك القرية، وكان رفيقي القروي كهلا نظيري، فأخذت أباحثه بشئون قريته وزراعتها وزوراها إلى أن بلغ بنا الحديث إلى عمال الحكومة وجباة الأموال، وكنت في كل كلامي أتودد إليه متلطفا تسكينا لخاطره ودفعا لريبته.
Bog aan la aqoon