وانصرفت إلى التصور والذهول فطوقها باسي بذراعيه، ومسح بشفتيه تلك القطرات المتساقطة على خديها، ثم قال: بالله أيتها الحبيبة ... ألا ما أخبرتني بأحزانك، فقلد قطعت قلبي بهذا البكاء.
وماذا أسال دموعك؟ بل ما يعوزك من السعادة وهي كلها بقربك وفي قبضة يدك؟ - لا تذكر لي السعادة أيها الحبيب؛ لأن قلبي يحدثني بانقلابها، وأن يستحيل ذلك الهناء إلى تنغيص وكمد. - وأي تنغيص بالله، وأي كمد ما دام قلبانا في الغرام صافيين، لا يكدرهما هجر ولا ينغصهما جفاء؟ - ولكن الدهر ليس مثل قلبنا أيها الحبيب، وكأن أيامه التي لا تتشابه بالأحكام قد أقسمت ألا تسعد قلبين يتشابهان في الغرام. - لقد شغلت قلبي بما تقولين، وإني أقرأ بين عينيك رسالة حزن وكدر، فهل سطر لنا في لوح الدهر شيء من ذلك؟ - بل هي نسخة الدهر تنظرها بعيني وتسمعها بكلامي؛ لأني أشعر بسهم الشقاء ينفذ إلى قلبي.
فأحمله مطرقة صامتة، لا أعيد ولا أبدي كما تحمل الحمامة سهم الصياد تحت جناحها، ريثما تستقر وتموت.
فذعر باسي لما سمع وقال: إن الحمامة أيتها الحبيبة لا تقوى على انتزاع السهم من تحت جناحها؛ لأنها لا تقدر عليه ...
فهل إذا كنت مثل الحمامة في طهارة قلبك، تكونين مثلها في العجز والضعف عن نزع هذا السهم؟
وبعد فمم تخشين وأنا بقربك؟ وماذا ينغصك ويدي معقودة في يدك، وغرامنا ثابت وطيد لا يفصله غير الله؟ - إني أخشى ذلك الله، ولا ينغصني في هواك غير تبكيت الضمير؛ لأني لزوجي قبل أن أكون لك، ولكن نفسي علقت بك دون ذلك الزوج، ولم تخش معصية الله. - ما بالك نادمة أيتها الحبيبة؟ أكان عقد قرانكما برضا الله؟ ألم تعقد هذا الزواج يد الحيلة والإثم؟
فهل يرضى الله عن الآثام؟
وبعد ... فمن ربط قلبينا بهذا الوثاق إن لم تكن يد الله؟ فكيف تخشين عصيانه بهذا الغرام؟ بل كيف لا تشفقين من جرح قلبي بمثل هذا الكلام؟
فاختلجت ديانا وطوقت عنق من تحب بيديها، ثم وضعت فمها على فمه وقبلته بكلمة: «أحبك.»
ولكنها لم تكد تنتهي من لفظ تلك الكلمة، حتى دوت أرجاء الغرفة بصوت هائل.
Bog aan la aqoon