وقيل : إن ناسا منهم أدركهم العطش في بعض الصحاري ، وليس معهم ماء إلا شيء فاقتبسوه ، فأخذ أحدهم نصيبه فشربه فلم يغن عنه شيئا ، وأخذ الآخر نصيبه ، فلما أراد أن يشربه قال له الأول : أنقذني بنصيبك من الموت يا أخي ، فإني لا أراه يغني عنك شيئا . فقال الآخر : دونكه . فمد بها صوته حتى خرجت روحه ، ولهم في هذا مآثر كثيرة ، فأرسل الله تعالى محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) فكان بالموضع الذي ذكره الله تعالى من الأخلاق الحسنة والأفعال الجميلة كما قال الله - عز وجل - : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) فأنزل الله عليه كتابا يتلى ، تضمن من الحكم ما لم تتضمن الكتب الأولى التي كانت قبله ، قال الله - عز وجل - : ( وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) وسماه الله تعالى من أسمائه بعشرة أسماء أو أزيد - كتاب حكيم ، عزيز ، نور ، ومهيمن ، وفرقان ، وقرآن وشفاء ، ضياء ، وهدى ، ورحمة ، ومبين، ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ، وفوض إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بيان ما فيه ، فقال : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : (( أوتيت جوامع الكلم )).
ففوض رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى علماء أمته وأهل البصائر منهم ما وراء ذلك فجعل إليهم حكم النوازل التي لم يشرعها القرآن ولم يسنها النبي عليه السلام .
وفوض إليهم تفسير ما في القرآن من مشكل وأمر ونهي ووعد ووعيد ، فكان جميع ما نظروا فيه وقالوه علما وحكما .
Bogga 64