لأوهمت تلك صحة النية بلا تعيين وأنه يلزمها الثواب. و«ما» في ما نوى إما موصولة أو موصوفة أو مصدرية أي ما يحصل لكل امرىء أي إنسان إلا الذي نواه أو شيء نواه أو منويه، والقصر في هذه
الجملة عكسه في الأولى أي قصر المسند في المسند إليه. (لطيفة) قد لمح العلامة تاج الدين السبكي إلى معنى هذه الجملة بقوله في مدح المصنف نفع الله بهما:
لقيت خيرًا يا نوى
ووقيت من ألم النوى
فلقد نشا بك عالم
أخلص ما نوى
وعلا سواه فضله
فضل الحبوب على النوى
(فمن كان هجرته) هو تفصيل لبعض الإجمال فيما قبله، والتقدير؛ إذا تقرر أن لكل امرىء منويه من طاعة وغيرها فلا بد من مثال يجمع الأعمال كلها أمرها ونهيها وذلك الهجرة إذ هي متضمنة لذلك؛ أما الكف عن المنهي فظاهر، ومن ثم قال: «المهاجر من هجر ما نهى الله عنه» وأما الأمر فلأنه لا يتم بل لا يمكن الإتيان به إلا بهجرة دواعي النفس والهوى. ولتضمن الهجرة هذا الأمر العام آثر ذكرها مفردًا لها بالفاء الداخلة على الجزاء إن جعلت من شرطية أو الخبر إن جعلت موصولة لمشابهة الموصول للشرط في العموم أو تضمنه له. والهجرة لغة؛ الترك، وشرعًا؛ مفارقة دار الكفر إلى دار الإسلام خوف الفتنة، ووجوبها باق وخبر «لا هجرة بعد الفتح» المراد لا هجرة بعد فتح مكة منها لأنها صارت دار الإسلام. وحقيقتها مفارقة ما يكرهه الله إلى غيره للحديث المذكور، وكانت أول الإسلام إما من مكة إلى الحبشة أو منها ومن غيرها إلى المدينة، والمراد بها هنا مفارقة الوطن إلى غيره سواء مكة وغيرها، ولا يضر في التعميم كون الحديث له سبب خاص كما سيأتي بيانه لأن صورة السبب لا تخصص لكنها داخلة قطعًا (إلى الله ورسوله) أي: قصدًا ونية، فهو كناية عن الإخلاص، والظرف هنا وفيما يأتي متعلق بهجرة إن جعلت كان تامة أو بمحذوف هو خبرها إن قدرت ناقصة (فهجرته إلى الله ورسوله) ثوابًا وخيرًا، فالجزاء كناية عن شرف الهجرة وكونها بمكانة عنده تعالى أو كونها مقبولة مرضية، فلا اتحاد بين الشرط والجزاء لأنهما وإن اتحدا لفظًا اختلفا معنى، وهو كاف في اشتراط تغاير الجزاء والشرط والمبتدإ والخبر وذكرت وجوهًا
أخر لهذا التكرار في «شرح الأذكار»، والمراد بكان هنا وفيما يأتي أصل الكون لا بالنظر لزمن مخصوص أو وضعها الأصلي من المضي
1 / 55