ورقي يوليوس مدسيس عرش البابوية في الثامن عشر من شهر نوفمبر سنة 1523، ودعي كليمنتوس السابع، فدفع دين أصحابه إلى أصحاب كولونا.
وفي حكم هذا البابا غزا روما جنود اللوثريين تحت قيادة الكونتابل ده بوربون، فمثلوا بالأشياء المقدسة أشنع تمثيل، ولبثوا سبعة شهور يبددون في روما ما جمعته الكاثوليكية في سنين.
وفي حكم هذا البابا ولد فرنشسكو سنسي الذي نروي قصة أسرته.
فرنشسكو سنسي وأولاده
كان فرنشسكو - ابن نقولا سنسي - أمين الخزائن الرسولية في عهد البابا بيوس الخامس، وكان هذا البابا مهتما بالأمور الدينية أكثر من اهتمامه بدنياه، فاغتنم الأمين فرصة غفلة مولاه، فجمع ثروة يبلغ إيرادها مليونين ونصف مليون من فرنكات الوقت الحاضر، وورث عنه هذا المال ابنه الوحيد فرنشسكو.
ونشأ فرنشسكو في عصر انشغلت فيه باباوات روما بما طرأ على الدين من الانقسام بظهور لوثر وأتباعه عن الالتفات لداخلية مملكتهم. وخلق فرنشسكو ميالا للشر قاسي القلب حقودا، فرأى من التساهل في الأحكام ما سهل له ارتكاب الآثام، وكان حاد الطبع كثير الشهوات قد زاده الشباب والحدة فسادا على فساد، فزج في السجن ثلاث مرات في صباه لهتك أعراض، وتوصل إلى الخلاص منه بفضل درهمه وديناره، وكانت الخزائن البابوية في حاجة إلى المال في ذلك الحين.
ولم يستلفت القوم فرنشسكو سنسي بأعماله وآثامه إلا من عهد جريجوار الثالث عشر؛ فقد كان عهده فوضى أبيح فيه القتل والإعدام لكل من قدر على إرشاء الحكام، وأصبح سفك الدماء وهتك الأعراض من عاديات الجرائم، حتى إن القضاة ما كانت لتهتم بها إلا إذا وجد من يسعى في قصاص الجاني ومحاكمته.
وكان فرنشسكو قد بلغ في ذلك الحين الخامسة والأربعين، أما صفاته فكان طويل القامة معتدلها قوي العضلات ذا عينين واسعتين تقرأ فيهما صحيفة قلبه، إلا أن الجفن الأعلى كان منسدلا عليهما قليلا. وكانت شعوره قد وخطها الشيب، وله أنف طويل وشفتان رقيقتان، وكان إذا تبسم لاح البشر على وجهه، وإذا عبس ظننته وحشا كاسرا، وكان إذا تأثر وغضب اضطرب جسمه وتولاه انفعال عصبي شديد. واشتهر فرنشسكو بقوة جسمه وركوبه الخيل؛ فكان يقطع المسافة بين روما ونابولي، وهي واحد وأربعون فرسخا، على ظهر فرسه يطلق لها العنان، إذا خرج من إحدى المدينتين فلا ينزل عنها أو يخفف سيرها إلا إذا بلغ المدينة الأخرى، ولا يخشى في طريقه بأس اللصوص التي كانت منتشرة إذ ذاك في الغابات بين المدينتين، بل كانت اللصوص تخشى بأس خنجره وحسامه، وكان إذا سقط جواده من التعب اشترى غيره في الطريق، وإذا أبى صاحب الجواد بيعه أخذه منه غصبا، فإذا قاومه الرجل طعنه بسيفه غير هياب ولا وجل.
وعرف فرنشسكو في البلاد البابوية بسخاء يده وقوة ساعده، فلم يتعرض لإرادته معترض، ولم يقف في سبيل رغائبه أحد؛ إما طمعا في نواله أو خشية من حسامه، وجعل - لعنه الله - إلهه هواه، فكفر بالحي المعبود وأنكر خالق الوجود، وكان إذا دخل إلى معبد دخل ليدنسه بكبائر الألفاظ، حتى اعتقد القوم أن هذا الكافر لا تردعه نفس عن ارتكاب الجرائم مهما كبرت إذا دفعه إليها هواه.
وتزوج فرنشسكو - وهو في ذلك السن - سيدة واسعة الثروة لم يذكر المؤرخون اسمها، فماتت بعد أن رزق منها بخمسة بنين وبنتين، فتزوج بعدها بلوكريزيا بتروني، وكانت ذات بياض ناصع تمثل الجمال الروماني في عصرها إلا أنه لم يرزق منها بأولاد.
Bog aan la aqoon