وتولى بيوس الثالث مكان إسكندر، فلبث فوق العرش البابوي خمسا وعشرين يوما، ومات مسموما في اليوم السادس والعشرين.
وكان لقيصر بوريا ثمانية عشر كردينالا من الإسبانيين مخلصين لا يعصون له كلمة؛ حيث إنه كان الواسطة في إدخالهم إلى مجمع الكرادلة المقدس. فلما رأى نفسه على فراش الموت لا يملك لنفسه أمرا ساوم «يوليان ده لاروفير»، على أن يكونوا له عند الاقتراع، وبذلك تم ليوليان الارتقاء على عرش روما ودعي يوليوس الثاني، وكان عصره عصر حكمة وإنصاف.
وقام بالأمر بعد يوليوس الثاني ليون العاشر، وفي عصره تولت المسيحية صبغة الصابئة؛ فكثرت الأصنام والتماثيل، وانتقلت تلك الصبغة من الفنون إلى الأخلاق ففسدت الأخلاق، إنما قلت الجرائم بمعنى أن النفوس مالت عن الأذى إلى الشهوات، وأطلق الناس للذاتهم العنان بلا رادع من الدين أو الآداب.
ومات ليون العاشر بعد أن حكم ثماني سنين وثمانية أشهر وتسعة عشر يوما، واشتهر عصره في العلوم والفنون، فكان أحد عصور التاريخ الأربعة الشهيرة؛ حيث اشتهر فيه ميكائيل إنج ورفائيل وليونارد وفنسي وتنيان وأريوست ومكيافيل، وغيرهم من رجال الفنون والآداب.
وترشح للخلافة بعده رجلان: يوليوس مدسيس وبومبيوس كولونا، وكانا داهيتين في السياسة والإدارة لا يفضل أحدهما الآخر في شيء، فانقسمت بينهما أصوات الكونلاف (مجمع الكرادلة لانتخاب البابا). ودام الانقسام طويلا دون أن يقر الرأي على واحد منهما، حتى مل الكرادلة وسئموا، فاقترح أحدهم ذات يوم - على سبيل المزاح - وقد ضايقه الانقسام أن يولوا العرش البابوي نائب ملك إسبانيا، وكان النائب في ذلك الحين رجلا يدعى أدريانوس وضيع النسب، قال بعضهم: إنه ابن حائك، وقال آخرون: إنه ابن صانع بيرة في أترخت، وكان قد صادفه السعد فتولى حكم إسبانيا باسم الملك شرلكان، وهكذا خدمته الصدف، فارتقى - بإجماع آراء الكرادلة وهم يمزحون - عرش الخلافة البابوية.
وكان أدريانوس فلمنكيا بحتا لا يدري كلمة من اللاتينية، فلما دخل روما ورأى التماثيل اليونانية الثمينة التي جمعها ليون العاشر في عاصمة الخلافة النصرانية، وصرف على جمعها المال الطائل، قال: «إنها الصابئة القديمة.» وأراد أن يكسر هذه الأصنام لولا أن منعوه. وكان منعقدا في ذلك الحين مجلس في حكومة «نورنبرغ» بخصوص الاضطرابات التي أولدها ظهور لوثر مؤسس البروتستانتية، فأرسل البابا مندوبا من قبله لذلك المجلس وزوده بتعلميات تمثل لك أخلاق ذلك العصر وما كان عليه، قال البابا لمندوبه:
أعترف بكل ثبات في ذلك المجلس أن الله إنما أراد هذا الانقسام في الدين وهذا العذاب الواقع على المسيحيين؛ لكثرة ما أتوه من الذنوب والخطايا، وخصوصا ما أتاه قسوسهم ورؤساء كنائسهم؛ لأننا نعلم ما تم فوق العرش البابوي المقدس من الآثام والفظائع.
وأراد أدريانوس أن يرد الرومانيين عن حياة البذخ والترف التي هم فيها، ويحبب إليهم القناعة وبساطة العيش التي امتاز بها رجال المسيحية الأولى، فمحا كثيرا من البدع التي أدخلت في الكنيسة، وكان لدى سلفه مائة من سائسي الخيل فصرفهم ولم يبق إلا اثني عشر قائلا: يكفي أن يزيد عدد سائسي اثنين عن عدد الكرادلة.
وقضى الله أن لا يكون رجل الإصلاح طويل الحكم، فاستاء القوم وفي مقدمتهم الكرادلة منه، فلم يتم سنته فوق العرش، ورأى الناس باب طبيبه صبيحة موته مزينا بالأزهار ومكتوبا تحتها: «إلى مخلص الوطن.»
ولما مات أدريانوس لم يجد الكرادلة أمامهم إلا يوليوس مدسيس وبومبيوس كولونا، فعاد الانقسام حتى ظن الكرادلة أنهم لا ينتهون إلا بتولية غريب كما فعلوا المرة السابقة، ولكن وفق يوليوس مدسيس إلى حيلة جميلة؛ إذ رأى أنه ينقصه خمسة أصوات، فعرض خمسة من أصحابه على خمسة من أصحاب كولونا أن يراهنوهم، فإذا عين يوليوس خليفة يعطي أصحابه عشرة آلاف دينار إلى أصحاب كولونا، وإذا لم يعين يعطي أصحاب كولونا لهم مائة ألف دينار. وبعد ذلك جمعت الأصوات وفرزت فأصاب يوليوس مدسيس الاقتراع، وانقطعت جهيزة كل خطيب، ولم يقل أحد إن يوليوس رشا أصحاب مناظره.
Bog aan la aqoon