فأبي عليه فاستشفع عمر بالحجاج فبينا الحسن يساير الحجاج ذات يوم قال: يا أبا محمد إن عمر بن علي عمك وبقية ولد أبيك فأشركه معك في صدقات أبيه. فقال الحسن، والله لا أغير ما شرط علي فيها ولا أدخل فيها من لم يدخله وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) قد شرط أن يتولى صدقاته ولده من فاطمة دون غيرهم من أولاده. فقال الحجاج. إذن أدخله معك.
فنكص عنه الحسن حين سمع كلامه وذهب من فوره الى الشام فمكث بباب عبد الملك بن مروان شهرا لا يؤذن له فذكر ذلك ليحيى بن أم الحكم وهي بنت مروان وابوه ثقفي فقال له:
سأستأذن لك عليك وأرفدك عنده.
وكان يحيى قد خرج من عند عبد الملك فكر راجعا فلما رآه عبد الملك قال: يا يحيى لم رجعت وقد خرجت آنفا؟ فقال: لأمر لم يسعنى تأخيره دون أن أخبر به أمير المؤمنين.
قال: وما هو؟ قال: هذا الحسن بن الحسن بن علي بالباب له مدة شهر لا يؤذن له، وإن له ولأبيه وجده شيعة يرون أن يموتوا عن آخرهم ولا ينال أحدا منهم ضر ولا أذى. فأمر عبد الملك بادخاله ودخل فأعظمه وأكرمه وأجلسه معه على سريره ثم قال. لقد أسرع اليك الشيب يا أبا محمد. فقال يحيى: وما يمنعه من ذلك أماني أهل العراق يرد عليه الوفد بعد الوفد يمنونه الخلافة. فغضب الحسن من هذا الكلام وقال له: بئس الرفد رفدت؛ ليس كما زعمت، ولكنا قوم تقبل علينا نساؤنا فيسرع الينا الشيب، فقال له عبد الملك ما الذي جاء بك يا أبا محمد؟ فذكر له حكاية عمه عمر وأن الحجاج يريد أن يدخله معه في صدقات جده. فكتب عبد الملك الى الحجاج كتابا أن لا يعارض الحسن بن الحسن في صدقات جده ولا يدخل معه من لم يدخله علي، وكتب في آخر الكتاب:
إنا اذا مالت دواعي الهوى
وأنصت السامع للقائل
واضطرب القوم بأحلامهم
نقضي بحكم فاصل عادل
لا نجعل الباطل حقا ولا
نلفظ دون الحق بالباطل
نخاف أن تسفه أحلامنا
فنخمل الدهر مع الخامل
وختم الكتاب وسلمه اليه وأمر له بجائزة وصرفه مكرما؛ فلما خرج من عند عبد الملك لحقه
Bogga 91