اعتُبرَ فِعلاهُما، وكلاهُما يَرجِعان إلى معنىً. انتهى ما ذكرَه منَ الفرقِ. وإنَّما يصحُّ أنْ لو كانَ آجَره بالمدِّ بوزنِ فاعَلَ حتى تقتضيَ المشاركةُ، ولكنْ لا نسلِّم أنَّ آجَرَه بالمدِّ بوزن فاعلَ، بل هو بوزنِ أَفْعلَ، ولذلكَ جاءَ مضارعُه على «يُؤجِرُ» ومصدرُه على الإيجارِ؛ كآمَنَ يؤمِن إِيمانًا. ولو كان فاعَلَ لكانَ مضارعُه يؤاجِرُ ومصدرُه المؤاجَرةُ والإجارُ، كضارَبَ يضارِبُ مضاربةً أو ضِرابًا. ولو سُلِّم أن يقالُ كذلكَ إلا أنَّه يجوزُ أن يكونَ أجَّر أفعلَ، وإذا جازَ لم يصحَّ الفرقُ. ثم قولُه: يقالُ: أَجرتَ فلانًا، إذا استعانَ بك فحميتَهُ وقولُه: ﴿فأَجِرْه﴾، وقولُه: ﴿وهو يجيرُ ولا يُجارُ عليه﴾ ليسَ من هذهِ المادَّة التي نحنُ فيها ولا من معناها في شيءٍ البتَّةَ، بل من مادَّة «جَوَرَ». ولذلك ذكرَها في مادَّة تيكَ. وإنَّما اشتَبه عليهِ اللفظُ في الفعلِ والمصدرِ، حيثُ قالَ: أجرتُ إِجارةً. والفرقُ بينَهما، عندَ من يَعرف التصريفَ، واضحٌ جدًا. وذلك أنَّ أَجرتُ بمعنى الإعانةِ وزنُه أفَلْتُ مثلُ أقمتُ، وإنما حُذفتْ عينُ الكلمةِ لالتقاءِ الساكنين. وإجارةٍ التي هي مصدرُه وزنُها إِفالةٌ، حُذفتِ العينُ منها كما حُذفتْ من الفعل كإِقامةٍ. والأصلُ: أَجْوَرْتُ إِجْوارًا. فصيَّرهُ التصريفُ إلى ما تَرى. وأمَّا أجرتُ الذي نحن فيه فهمزتُه أصليةٌ، ووزنُه فَعَلْتُ، ومصدرهُ فِعالةٌ. وأينَ هذا من ذاك؟ ولكن قد يذهُلُ الفاضلُ، ويدهَشُ العاقلُ. الأجيرُ فَعيلٌ بمعنى فاعلٍ. وقالَ الراغبُ: أو مُفاعِل، وهو بناءٌ منهُ على أنَّ آجرَ فاعَلَ. وقد تقدَّم ما فيه.
والاستئجارُ طلبُ الشيءِ بأُجْرةٍ، ثم يُعبَّر بهِ عن تناوُل الأجرةِ، كاستعارةِ الاستيجابِ كقولهِ: [من الطويل]
٣٢ - وداعٍ دَعا: هلْ من يُجيبُ إِلى النَّدى؟ فلم يَستجبْه عندَ ذاكَ مُجيبُ
قيلَ؛ وعليه قولُه تعالى: ﴿يا أبتِ استأجرهُ﴾ [القصص: ٢٦]، وفيه نظرٌ لظهورِ الطلبِ فيهِ بأُجْرةٍ. ويقالُ: إِيتاجَرَ أي طلبَ الأجرةَ، افْتَعلَ منهُ. وفي الحديث في الأضاحي: «كلوا وادَّخِروا وائتجِروا» أيْ واطْلبوا الأجرَ. قالَ الهرويُّ: ويجوزُ اتَّجِروا نحو اتَّجرَ، كذا أصلُه إِيْتجرَ، فأدغمتِ الهمزةُ في التاء. وفي الحديث: «إنَّ رجلًا دخلَ
1 / 66