============================================================
مناها واتبع غيها وهواها، كان شرا من جميع ما ذكر (1)؛ لأنه جمع جميع ما تفرق فيها من الأوصاف الذميمة، والأحوال الوخيمة.
(1) فالرضا عن النفس أصل كل بلية تصيب المرء في دنياه وآخرته. قال سيدي ابنع الله السكندري في بعض حكمه الجليلة: أصل كل معصية وغفلة وشهوة الرضا عن النفس، وأصل كل طاعة ويقظة وعفة عدم الرضا منك عنهاء.
يعني أن النظر إلى النفس بعين الرضا يوجب تغطية عيوبها، ويصير قبيحها حسنا. والنظر اليها بعين السخط يكون بضد ذلك، على حدقول القائل: وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا فمن رضي عن نفسه، استحسن حالها، فتستولي عليه الغفلة عن الله تغالى، فينصرف قلبه عن مراعاة خواطره، فتثور عليه الشهوة وتغلبه؛ لعدم وجود المراقبة القلبية التي تدفعها، فيقع في المعاصي لا محالة. فعطف الغفلة والشهوة على المعصية، من عطف السبب على المسبب. وكذا عطف اليقظة والعفة على الطاعة، فإن اليقظة التي هي التنبه لما يرضي الله تعالى، والعفة التي هي علو الهمة عن الشهوات، يتسبب عنهما الطاعة التي هي اتباع المأمورات، واجتناب المنهيات . وإنما كان الرضا عن النفس أصل كل معصية؛ لأنها أمارة بالسوء، فهي العدو الملازم . وناهيك قول يوسف الصديق: وما أبرئ نفسي أن النفس لأمارة بالسوء) [يوسف : 53] . وصحبيك جاهلا لا يرضى عن نفسه، خير لك في تحصيل فائدة الصحبة التي هي الزيادة في حالك، من أن تصحب عالما بالعلوم الظاهرية، يرضى عن نفسه. فإن المدار في الانتفاع بالصحبة، إنماهو على العلم بعظمة الله وجلاله وإحسانه، الذي ينشأ عنه معرفة النفس وعيوبها، لا على العلوم العقلية والنقلية. فاي علم نافع لعالم بالعلوم الظاهرية يرضى عن نفسه؟ . وأي جهل ضار لجاهل بالعلوم الظاهرية لا يرضى عن نفسه؛ لعلمه بعيوبها، فإنه - وإن قلت بضاعته من الأحكام -، لا بد أن يحصلها بالوقائع على مدى الأيام. فلا ينبغي للمريد أن يصحب إلا من يكون عارفا بعيوب نفسه، غير 142
Bogga 36