حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (٤٣) وليس هذا فحسب؛ بل لابد من أن يكون
التسليم لهذه الحاكمية باستجابة تامَّة قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ (٤٤).
ولقد أدركَ المسلمونَ هذه المعاني الإيمانية، واعتقدوا أن حياتهم إنما هي من أجل الإسلام؛ وأن وجودهم إنما هو من أجل تطبيق دين الله في الأرض وإنقاذ العالم البشري من ضيق الجاهلية وظلام الوثنية وشقاء الملل والنحل الشركية، وإخراجه إلى فسحة الإسلام ونور الإيمان وسعادة المفاهيم الإسلامية. فآمنوا أن الإسلام وحدَهُ سرُّ وجودهم وأساس وحدتهم وسبب نهضتهم، وأنه وحده عزهم ومجدهم ورجاؤهم، فإيمانهم بالإسلام مَلَكَ عليهم نفوسهم وعقولهم، فأخلصوا له وأقبلوا عليه يدرسونه ويفهمونه؛ كيف لا وهُم سلف تَمَثَّلَ سلوك القدوة من الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا، فالصحابة القدوة ضربوا المثال في مسالك هذا الدين، وخلف من بعدهم سلف من التابعين وتابعيهم حتى تجسد في تاريخ أمة الإسلام أعلام شوامخ من العلماء العاملين، والفقهاء المجاهدين، الذين أدركوا أن الإسلام فكر اعتقاد، وشريعة ممارسة وعمل وجهاد.
ولم تكن ثمَّةَ مشكلة في العصر الأوَّل بعد رسول الله ﷺ، عصر الصحابة؛ على
مستوى الفكر والمعتقد والفقه، لأن المثال الشاهد على الرسالة ظاهر، وبه يقتدى، ومن خلاله يتوصل إلى معرفة الإسلام تفكرًا وتطبيقًا. قال تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ
_________
(٤٣) النساء / ٦٥.
(٤٤) الأحزاب / ٣٦.
1 / 15