فلنتخذ من الظلام سترا لنكون على مقربة منهما، فنسمع آيات الحب يفوه بها ذلك الفم اللطيف الطاهر.
ابتدأ سوبيسكي الحديث؛ فقال:
أي صوفيا، خيرا إن شاء الله، فإني تركتك أمس قريرة العين، جذلة الفؤاد، فما الذي دعاك إلى إرسال هذا الخطاب؟
ما هذا الكلام أيها الحبيب؟ ألا تريد أن نكون على مقربة من بعض؟ ألا فاعلم أنا عن قريب سنفترق، فإن الأتراك هاجموا بولاندا، وقد عينوك قائدا لجيوشنا .
فتجهم وجه جون وصاح: ماذا أيتها الحبيبة؟ إن ذلك لخبر لم أسمع به حتى الساعة إلا منك! وإذا كان خبر كهذا له من الأهمية ما له، ولا أسمع به حتى الساعة، بينا الأتراك يتقدمون ممتلكين بلادنا ونحن نسكت حتى الآن؟ ألا إنه خير لبولاندا أن تنحل من أن تكون في مركز كهذا، أما أنا؛ فإني أتقدم لا لأكون قائدا، بل لأتطوع كجندي بسيط أحارب أعداء وطني، وما أعداؤه في الحقيقة إلا مليكه ونبلاؤه، والآن كيف يتسنى لهم جمع الجيش وصد هجمات أولئك الأتراك الذين طالما سمعنا عن خبر انتصاراتهم العديدة؟!
فيا رب كن مساعدي، وقو ساعدي؛ حتى أرد غارات قوم سوف يبتلعون وطني العزيز فيذهب ضحية أولئك السفلة القابضين على أزمة الأمر فيه، أما أنت أيتها الحبيبة ففراق - إن شاء الله - يعقبه تلاق بانتصار وخير، ودعيني - أيتها الحبيبة - التي إن مت فليس أمامي إلا شبحان يهيجان قلبي وضميري؛ أولهما بولاندا، والثانية أنت يا صوفيا.
فصلي وادعي لي في صلواتك بالنصر، عساني انتصر؛ فأكون ممن جاهدوا في سبيل أوطانهم.
وأنت - أيتها الحبيبة - ألا ترين ذلك الضعيف ميخائيل؟ وكيف لم يصل إلينا خبر الحرب ونحن أعضاء مجلس الشورى لبولاندا؟ بل لولاك لم يصل إلي إلا ربما حينما يكون الأتراك على أبواب وارسو، والآن - أيتها الحبيبة - ودعيني، قبليني، دعيني أتملى من حسنك الفتان، فآخذ لي منه زادا أتزود في غمار تلك الحرب الشعواء. - أواه - أيها الحبيب - أتفارقني ولم يكبر للآن غرامنا ويشب؟! ما هذا يا رباه؟ أهل قدر علي التعاسة والشقاء؟ أيها الحبيب، استحلفك بغرامنا الطاهر أن تبقى بجانبي، ولا تقدم على حرب سوف تنتهي بانخذالنا.
رفقا يا صوفيا فنحن لسنا في موقف غرام، بل في موقف وطن وإقدام، فشخصك لا يبرح مخيلتي، ولكن وطني، وطني الذي إن مات متنا، وإن عاش عشنا، لا بد من إنقاذه، وإلا ذقنا من يد الأتراك كأس الموت، وصرنا سبة الدهر، وعار التاريخ، والآن وداعا أيتها الحبيبة، وسأترك بجانبك سرجيوس، فهو ملاكك الحارس.
وهنا كانت الساعة المؤلمة ساعة الوداع؛ فغص ريقهما، وبللت دموعهما خديهما، وودا لو أن الساعة تقوم، فيموتان معا ويحشران معا.
Bog aan la aqoon