وفي المرتبة الثانية ، وإن لم يفتقر في تقومه إلى غير ما فوقه ، ولكنه يفتقر في أفعاله وصفاته إلى ما دونه من المراتب ، ويسمى أهلها على تفاوت أقدارهم بالنفوس ، والملائكة المدبرين.
وفي المرتبة الثالثة يفتقر في تقومه أيضا إلى ما دونه ، ويسمى بالصور والطبائع.
وفي المرتبة الرابعة ليس له حيثية سوى حيثية الإمكان والقوة ، ولا شيئية له في ذاته متحصلة إلا قبول الأشياء ، ويسمى بالمادة ، والماء ، والهباء ، والهيولى الأولى ، وهي نهاية تدبير الأمر.
ثم يأخذ في العود ، فأول ما يحصل فيه مركب من مادة وصورة ، ويسمى بالجسم ، ثم يتخصص الجسم بصورة أعلى وأشرف ، فيصير بها ذا اغتذاء ونمو ، ويسمى بالنبات ، ثم يزيد تخصصه بصورة أخرى أعلى مما قبلها يصير بها ذا حس وحركة ، ويمسى بالحيوان ، ثم يزيد تخصصه بصورة أعلى وأفضل يصير بها ذا نطق ، ويسمى بالإنسان ، وللإنسان مراتب كثيرة إلى أن يصير ذا عقل مستفاد ، فحينئذ تتم دائرة الوجود ، ومنتهى سلسلة الخير والجود.
فالوجودات ابتدأت فكانت عقلا ، ثم نفسا ، ثم صورة ، ثم مادة ، فعادت متعاكسة كأنها دارت على نفسها جسما مصورا ، ثم نباتا ، ثم حيوانا ، ثم إنسانا ذا عقل ، فابتدأ الوجود من العقل ، وانتهى إلى العقل ( كما بدأكم تعودون ) (1)، ( كما بدأنا أول خلق نعيده ) (2).
والشرف والكمال إنما هو بالدنو من الحق المتعال ، ففي البدء كل ما تقدم
Bogga 75