وكان الشيطان يتكلم، والخوري سمعان يرتعش، ويفرك يدا بيد، وبصوت تعانقه الحيرة والارتباك قال : أنا أعرف الآن ما لم أكن أعرفه منذ ساعة، فسامح غباوتي، أنا أعلم بأنك موجود في العالم؛ لكي تجرب، والتجربة هي مقياس يعرف الله بواسطته قدر النفوس البشرية، بل هي ميزان يستخدمه الله عز وجل ليدرك ثقل الأرواح أو خفتها، أنا أعلم الآن إذا مت تموت التجربة، وبموتها تزول تلك القوى المعنوية التي تجعل الإنسان أن يكون متحذرا، بل يزول السبب الذي يقود الناس إلى الصلاة، والصوم، والعبادة، يجب أن تحيا؛ لأنك إن قضيت، وعرف الناس يزول خوفهم من الجحيم، فيبطلون العبادة، ثم يتمرغون بالإثم، من أجل ذلك يجب أن تحيا؛ لأن بحياتك خلاص الجنس البشري من الرذيلة، أما أنا فسوف أضحي بكرهي لك على مذبح محبتي للجنس البشري.
فضحك الشيطان ضحكة تشابه انفجار بركان ثم قال: ما أذكاك وما أبرعك يا حضرة الأب، وما أعمق معارفك بالأمور اللاهوتية، فها قد أوجدت بقوة إدراكك سببا لوجودي لم أكن أعرفه من قبل، والآن وقد فهم كل منا الأسباب الوضعية واللاهوتية التي أوجدتنا في البدء، وتوجد الآن، يجب أن نترك هذا المكان، اقترب يا أخي، تعال واحملني إلى بيتك، فأنا لست بثقيل الجسم، ها قد غمر الليل البطاح بعد أن أهرقت نصف دمي على حصباء هذا الوادي. فاقترب الخوري سمعان من الشيطان، وقد شمر عن ساعديه، وشكل أطراف عبائته بحزامه، ورفع الشيطان فوق ظهره ومشى نحو الطريق.
بين تلك الأودية المغمورة بالسكون، الموشاة بنقاب الليل، سار الخوري سمعان نحو قريته منحني الظهر تحت هيكل عار، وقد تلطخت ملابسه السوداء، ولحيته المسترسلة بقطرات الدم السائلة من كلومه.
الصلبان
المكان:
منزل يوسف مسرة في بيروت.
الزمان:
ليلة من ليالي الخريف سنة 1901م.
الأشخاص:
بولس الصلبان:
Bog aan la aqoon