دخلت منازل الأغنياء، الأقوياء، وأكواخ الفقراء الضعفاء، وقفت في المخادع الموشاة بقطع العاج، وصفائح الذهب، وفي المأوى المفعمة بأشباح اليأس، وأنفاس المنايا، فرأيت الأطفال يرضعون العبودية مع اللبن، والصبيان يتلقنون الخضوع مع حروف الهجاء، والصبايا يرتدين الملابس مبطنة بالانقياد، والخنوع، والنساء يهجعن على أسرة الطاعة، والامتثال.
اتبعت الأجيال من ضفاف الكنج، إلى شاطئ الفرات، إلى مصب النيل، إلى جبل سينا إلى ساحات أثينا، إلى كنائس رومية، إلى أزقة القسطنطينية، إلى بنايات لندن، فرأيت العبودية تسير بكل مكان في موكب العظمة، والجلال، والناس ينحرون الفتيان والعذارى على مذابحها، ويدعونها إلها، ثم يسكبون الخمور والطيوب على قدميها، ويدعونها ملكا، ثم يحرقون البخور أمام تماثيلها ويدعونها نبيا، ثم يخرون ساجدين لديها ويدعونها شريعة، ثم يتحاربون ويتقاتلون من أجلها ويدعونها وطنية، ثم يستسلمون إلى مشيئتها ويدعونها ظل الله على الأرض، ثم يحرقون منازلهم ويهدمون مبانيهم بإرادتها، ويدعونها إخاء ومساواة، ثم يجدون ويجاهدون في سبيلها، ويدعونها مالا وتجارة ... فهي ذات أسماء عديدة، وحقيقة واحدة، ومظاهر كثيرة لجوهر واحد، بل هي علة أزلية أبدية تجيء بأعراض متباينة، وقروح مختلفة يتوارثها الأبناء عن الآباء مثلما يتوارثون نسمة الحياة، وتلقي بذورها العصور في تربة العصور، مثلما تستغل الفصول ما تزرعه الفصول. •••
وأغرب ما لقيت من أنواع العبوديات، وأشكالها:
العبودية العمياء:
وهي التي توثق حاضر الناس بماضي آبائهم، وتنيخ نفوسهم أمام تقاليد حدودهم، وتجعلهم أجسادا جديدة لأرواح عتيقة، وقبورا مكلسة لعظام بالية.
والعبودية الخرساء:
وهي التي تعلق أيام الرجل بأذيال الزوجة التي يمقتها، وتلصق جسد المرأة بمضجع الزوج الذي تكرهه، وتجعلهما من الحياة بمنزلة النعل من القدم.
والعبودية الصماء:
وهي التي تكره الأفراد على اتباع مشارب محيطهم، والتلون بألوانه والارتداء بأزيائه، فيصبحون من الأصوات كرجع الصدى، ومن الأجسام كالخيالات.
والعبودية العرجاء:
Bog aan la aqoon