Casriga Dahabiga ah ee Suuriyaanka
عصر السريان الذهبي: بحث علمي تاريخي أثري
Noocyada
بحث علمي تاريخي أثري
تأليف
فيليب دي طرازي
مؤلف الكتاب.
مقدمة
عنوان كل أمة راقية مكانتها الأدبية ومعالم حضارتها وعمرانها، فمن الأمم القديمة التي يحق لها أن تفاخر سائر الأمم وتنافسها في تلك المزايا الفريدة، الأمة السريانية ذات الإحسان العميم على العلوم والآداب والفنون، وما الآثار التي خلفتها في تلك المناحي إلا برهان لامع على ما أسدته من المنن الجمة للعالم قاطبة في الأجيال الخالية، وكفاها شرفا استنباطها صناعة الكتابة وتلقينها لسائر الشعوب التي أصبحت مديونة لصنيعها العظيم. وغير خاف أن الفونيقيين الذين أحدثوا صناعة الكتابة ليسوا إلا فئة من الأمة الآرامية السريانية استوطنت السواحل اللبنانية وروجت أسواق التجارة في أنحاء العالم القديم؛ ذلك ما حمل أساطين المؤرخين أن يطلقوا على الأمة السريانية بكل حق وصواب لقب «أميرة الثقافة» و«أم الحضارة».
ففي تواريخ البشر القديمة والحديثة لا نجد عصرا كعصر اشتهر فيه السريان باستنباطاتهم وآثارهم وتصانيفهم ونقولهم الطبية والفلسفية والتاريخية في كلتا اللغتين السريانية واليونانية، ثم لقنوها العرب، وهؤلاء بدورهم ألقوها إلى الشعوب المجاورة التي استفادت وأفادت؛ فكان ذلك كله من جملة الدواعي إلى النهضة الثقافية المنتشرة الآن شرقا وغربا. هكذا يتضح اتضاحا جليا ما قام به السريان من الخدم الجلى، لا للحضارة فقط بل للعلم والإنسانية معا.
مر على الأمة السريانية عصور ذهبية تألق فيها سناء فضلها وضياء عزها؛ فرأيت أن ألتقط طرفا من أخبارها في تلك الحقب السعيدة وأدونها في كتاب ينقل إلى الخلف مآثر الجدود ومفاخر السلف. هكذا تسنى لي أن أجمع من التعليقات والقيود ما رأيت أن أفضي به إلى عشاق التاريخ والآثار القديمة بعد تمحيصها، والتعمق في درسها، والتعليق عليها؛ لعل ذلك الماضي المجيد يبعث في هذه الأمة روح اليقظة والنهضة، فتجدد غابرها المزدان بشتى المحاسن الخالدات. وبعملي هذا أضيف حلقة جديدة إلى سلسلة تآليف وضعتها في سبيل الأمة السريانية التي أتباهى بالانتساب إليها؛ عسى يصادف ذلك بعض الاستحسان لدى أهل البحث والعرفان.
الفصل الأول
العصور الذهبية الشهيرة في التاريخ
Bog aan la aqoon