Casriga Dahabiga ah ee Suuriyaanka
عصر السريان الذهبي: بحث علمي تاريخي أثري
Noocyada
مقدمة
1 - العصور الذهبية الشهيرة في التاريخ
2 - تحديد عصر السريان الذهبي
3 - مدارس السريان ومشاهير جهابذتهم في العصر الذهبي
4 - مكانة بطريركية السريان وعدد أبرشياتها في العصر الذهبي
5 - انتشار عقيدة السريان في شتى الشعوب والأقطار
6 - السريان والفرس
7 - السريان والخلفاء المسلمون والنهضة العلمية العربية
8 - السريان وقياصرة الروم
9 - السريان وملوك الصليبيين
Bog aan la aqoon
10 - السريان وملوك السلجوقيين والتتر
11 - السريان والملوك الأرتقيون وملوك الكرج
12 - بعض ذخائر السريان وكنوزهم الثمينة في العصر الذهبي
13 - أبنية السريان الأثرية
14 - بعض كنائس السريان الكبرى في عصرهم الذهبي
15 - الفنون الجميلة عند السريان
16 - فن الهندسة عند السريان
17 - فن الموسيقى عند السريان
18 - الخط السرياني
19 - قدامة المخطوطات السريانية ونفائسها المصورة والمزخرفة
Bog aan la aqoon
20 - مكتبات السريان في عصرهم الذهبي
21 - أشهر المكتبات السريانية في الزمان الحاضر، وعلاقة بعضها بالعصر الذهبي
22 - الغسانيون والسريان في عصرهم الذهبي
الخاتمة
مقدمة
1 - العصور الذهبية الشهيرة في التاريخ
2 - تحديد عصر السريان الذهبي
3 - مدارس السريان ومشاهير جهابذتهم في العصر الذهبي
4 - مكانة بطريركية السريان وعدد أبرشياتها في العصر الذهبي
5 - انتشار عقيدة السريان في شتى الشعوب والأقطار
Bog aan la aqoon
6 - السريان والفرس
7 - السريان والخلفاء المسلمون والنهضة العلمية العربية
8 - السريان وقياصرة الروم
9 - السريان وملوك الصليبيين
10 - السريان وملوك السلجوقيين والتتر
11 - السريان والملوك الأرتقيون وملوك الكرج
12 - بعض ذخائر السريان وكنوزهم الثمينة في العصر الذهبي
13 - أبنية السريان الأثرية
14 - بعض كنائس السريان الكبرى في عصرهم الذهبي
15 - الفنون الجميلة عند السريان
Bog aan la aqoon
16 - فن الهندسة عند السريان
17 - فن الموسيقى عند السريان
18 - الخط السرياني
19 - قدامة المخطوطات السريانية ونفائسها المصورة والمزخرفة
20 - مكتبات السريان في عصرهم الذهبي
21 - أشهر المكتبات السريانية في الزمان الحاضر، وعلاقة بعضها بالعصر الذهبي
22 - الغسانيون والسريان في عصرهم الذهبي
الخاتمة
عصر السريان الذهبي
عصر السريان الذهبي
Bog aan la aqoon
بحث علمي تاريخي أثري
تأليف
فيليب دي طرازي
مؤلف الكتاب.
مقدمة
عنوان كل أمة راقية مكانتها الأدبية ومعالم حضارتها وعمرانها، فمن الأمم القديمة التي يحق لها أن تفاخر سائر الأمم وتنافسها في تلك المزايا الفريدة، الأمة السريانية ذات الإحسان العميم على العلوم والآداب والفنون، وما الآثار التي خلفتها في تلك المناحي إلا برهان لامع على ما أسدته من المنن الجمة للعالم قاطبة في الأجيال الخالية، وكفاها شرفا استنباطها صناعة الكتابة وتلقينها لسائر الشعوب التي أصبحت مديونة لصنيعها العظيم. وغير خاف أن الفونيقيين الذين أحدثوا صناعة الكتابة ليسوا إلا فئة من الأمة الآرامية السريانية استوطنت السواحل اللبنانية وروجت أسواق التجارة في أنحاء العالم القديم؛ ذلك ما حمل أساطين المؤرخين أن يطلقوا على الأمة السريانية بكل حق وصواب لقب «أميرة الثقافة» و«أم الحضارة».
ففي تواريخ البشر القديمة والحديثة لا نجد عصرا كعصر اشتهر فيه السريان باستنباطاتهم وآثارهم وتصانيفهم ونقولهم الطبية والفلسفية والتاريخية في كلتا اللغتين السريانية واليونانية، ثم لقنوها العرب، وهؤلاء بدورهم ألقوها إلى الشعوب المجاورة التي استفادت وأفادت؛ فكان ذلك كله من جملة الدواعي إلى النهضة الثقافية المنتشرة الآن شرقا وغربا. هكذا يتضح اتضاحا جليا ما قام به السريان من الخدم الجلى، لا للحضارة فقط بل للعلم والإنسانية معا.
مر على الأمة السريانية عصور ذهبية تألق فيها سناء فضلها وضياء عزها؛ فرأيت أن ألتقط طرفا من أخبارها في تلك الحقب السعيدة وأدونها في كتاب ينقل إلى الخلف مآثر الجدود ومفاخر السلف. هكذا تسنى لي أن أجمع من التعليقات والقيود ما رأيت أن أفضي به إلى عشاق التاريخ والآثار القديمة بعد تمحيصها، والتعمق في درسها، والتعليق عليها؛ لعل ذلك الماضي المجيد يبعث في هذه الأمة روح اليقظة والنهضة، فتجدد غابرها المزدان بشتى المحاسن الخالدات. وبعملي هذا أضيف حلقة جديدة إلى سلسلة تآليف وضعتها في سبيل الأمة السريانية التي أتباهى بالانتساب إليها؛ عسى يصادف ذلك بعض الاستحسان لدى أهل البحث والعرفان.
الفصل الأول
العصور الذهبية الشهيرة في التاريخ
Bog aan la aqoon
لكل أمة من الأمم العريقة عصر مجيد لمع فيه كوكب سعدها، وخفق عليه لواء حضارتها، وراجت فيه أسواق نهضتها الأدبية، فدعا الكتاب والمفكرون ذلك العصر باسم «العصر الذهبي» تعظيما لقدر رجاله، وتمييزا له عن سائر عصور تلك الأمة. وقد تخلدت ذكرى العصور الذهبية بأسماء الملوك الذين عاشوا فيها ورفعوا شأن أمتهم بين سائر الممالك والشعوب.
أما أشهر العصور الذي ذكرها الكتاب وتغنى بها الشعراء قديما وحديثا فهي: عصر بريكليس (499-429ق .م ) عند اليونان، وعصر أوغسطس قيصر (63ق.م-14م) عند الرومان، وعصر كسرى (531-579م) عند الفرس، وعصر كرلس الكبير أي شرلمان (768-814) إمبراطور المغرب، وعصر الرشيد (786-809) وابنه المأمون (813-833) عند العرب، وعصر لاون العاشر (1513-1521) في إيطاليا، وعصر الملكة اليصابات (1558-1602) في إنكلترا، وعصر لويس الرابع عشر (1643-1715) في فرنسا، وعصر ماري تيريز (1717-1780) في النمسا، وعصر فريدريك الأكبر (1712-1786) في بروسيا، وعصر كاترينا الثانية (1729-1796) في روسيا إلخ. ولكل من تلك العصور الشهيرة في التاريخ مزايا خاصة أهلته أن يطلق عليه لقب «العصر الذهبي».
الفصل الثاني
تحديد عصر السريان الذهبي
لم يتخلف السريان عن مباراة سائر الشعوب الراقية في عصور نهضتها الأدبية، فكان لهم في تلك الحلبة المجيدة قسط وافر كما شهد بذلك أساطين المؤرخين، وجهابذة علماء المشرقيات. ومن طالع أخبارهم وأنعم فيها النظر تولاه الإعجاب من درجة الكمال التي بلغها أدباؤهم على اختلاف المذهب والانتساب في شتى الأمصار والأحقاب؛ فإنهم فتحوا منذ المائة الرابعة للتاريخ المسيحي عصرا سعيدا ذهبيا بما أنشئوه من المدارس الشهيرة، والمعاهد الفخمة، والمكتبات الزاهرة، وبمن أنجبوه من الكتاب الأعلام، وما أبرزوه من التآليف الخالدة، وخلفوه من الآثار الثمينة شرقا وغربا، وظل يسطع نور عصرهم الذهبي حتى القرن السابع،
1
بل امتد إلى القرن الثامن،
2
وتوسع بعضهم فقال إلى القرن التاسع.
ثم عادت فبزغت أنوار ذلك العصر الذهبي الميمون في القرنين الثاني عشر والثالث عشر
Bog aan la aqoon
3
للميلاد، فبلغ كتبة السريان حينذاك أسمى ذروة في العلوم العقلية والنقلية على اختلافها، وملكوا فضلا عن سلامة الذوق ناصية البلاغة وأزمة البيان.
وتصرم العصر الذهبي عند السريان بانطفاء سراج المفريان غريغوريوس أبي الفرج الملطي المشهور بابن العبري (1226-1286)، وهو يعد في الطبقة العليا بين أئمة أمته وبين مشاهير كتابها، وأطلق عليه المؤرخون والمستشرقون لقب «دائرة معارف»؛ نظرا إلى ما خلفه من الثروة العلمية في كل فن ومطلب، وكان بكل حق وصواب «آية من آيات الله، وأعجوبة من أجل أعاجيب الدهر».
4
هوامش
الفصل الثالث
مدارس السريان ومشاهير جهابذتهم في العصر الذهبي
تعد الأمة الآرامية السريانية بين الأمم الراقية ذات التاريخ المجيد في العصور الغابرة. ذهب رهط من أهل البحث إلى أن السريان هم الذين استنبطوا الكتابة؛ لأن بلاد الفونيقيين الذين علموا الكتابة لليونان ليست إلا بقعة صغيرة من بلاد السريان، أشهر مدنها: صور، وصيدا، وبيروت، وجبيل. والفونيقيون كما هو ثابت كانوا أمة شامية
1
أي سريانية، وكانت لغتهم إما سريانية محضة، وإما قريبة إلى السريانية أكثر من سائر اللغات السامية.
Bog aan la aqoon
2
أنشئت المدارس عند السريان منذ دخولهم في النصرانية، فانتشرت بينهم انتشارا عجيبا غريبا جعلتهم في طليعة شعوب الشرق بالثقافة والبلاغة، وناهيك بما أنجبته تلك المدارس البعيدة الصيت من العلماء الأعلام والمؤلفين العظام الذين ذاعت شهرتهم شرقا وغربا، وقد أطنب في وصفهم وتعداد مآثرهم المؤرخون والكتاب وعلماء المشرقيات.
إذا ضربنا صفحا عن علماء السريان ذوي الصبغة الدينية، فمن لم يسمع بيوحنا بن ماسويه (†857) رئيس أعظم مدرسة في بغداد ازدحم الطلاب على أبوابها،
3
وهل من يجهل اسم يعقوب الكندي (†861) فيلسوف العرب،
4
أو اسم حنين بن إسحاق (†876) شيخ تراجمة الإسلام ورئيس الفلاسفة والأطباء،
5
أو اسم موفق الملك بن التلميذ (1081-1164) الملقب بسلطان الحكماء
6
Bog aan la aqoon
إلخ؛ فلا غرو إذا أطلق المؤرخون والأدباء على الأمة السريانية - كما سلف القول - لقب «أميرة الثقافة» و«أم الحضارة».
بعد هذه المقدمة الوجيزة، يطيب لي أن ألمع إلى بعض المعاهد السريانية التي كانت مراكز للتعليم في القرون الخالية. وفيما يلي أورد للقارئ أسماءها وأسماء فريق من الجهابذة الذين تعلموا أو علموا فيها، وهي: (1) مدرسة قطسفون أو المدائن
تعد هذه المدرسة في مقدمات المدارس السريانية الشهيرة. فيها نشأ ططيان الآشوري مؤلف كتاب «الدياطسرون» في القرن الثاني للميلاد. (2) مدرسة الرها
ازدهرت هذه المدرسة التي أنشأها ملوك الرها الأباجرة ازدهارا رائعا منذ القرن الثاني حتى القرن الخامس للميلاد، ونبغ فيها عدد وافر من الأئمة المشاهير، نذكر منهم: برديصان (154-202م)، والفيلسوف وافا، والعلالمة أسوانا. وفي القرن الرابع تولى رئاسة تلك المدرسة مار أفرام الكبير (†373م) نبي السريان، ثم ربولا أسقف الرها (†435م)، ثم خلفه يهيبا (†457م) ... إلخ. (3) مدرسة نصيبين
اشتهرت مدرسة نصيبين الكبرى في القرن الرابع وعاشت حتى القرن السابع، وفيها نبغ مار يعقوب الكبير (†338م) وخلفاؤه في كرسي نصيبين، وفي هذه المدرسة علم نرساي الشهير (†507م)، وباباي الكبير (†627م)، وغيرهما من مشاهير الأساتذة. (4) مدارس أنطاكية وجوارها
من مدارس السريان الزاهرة مدرسة أنطاكية الكبرى، ومدرسة دير مار بسوس الذي سكن فيه أيام عزه ستة آلاف وثلاثمائة راهب،
7
ثم مدرسة دير تلعدا الذي أنشئ في القرن الرابع، ومدرسة دير الجب الخارجي وغيرها. واشتهر في تلك المدارس إسحاق الأنطاكي الكبير (†460م)، والبطريركان بولس الثالث (†575م)، وبطرس الثالث (†591م)، ويعقوب الرهاوي (†708م) وغيرهم. (5) مدرسة قنسرين
قامت مدرسة قنسرين في القرن السادس بسعي مؤسسها يوحنا برافتونيا (†538م)، وعرف من جهابذتها البطريرك إثناسيوس الأول (†631م)، وتوما الحرقلي الذي نقل عام 616م العهد الجديد عن اليونانية إلى السريانية، والفيلسوف الكبير سويرا سابوخت في القرن السابع، وقد امتاز سويرا هذا بعلومه ومصنفاته الفلسفية والفلكية، وعلى يده وصلت الأرقام الهندية إلى العرب.
8 (6) مدرسة رأس العين
Bog aan la aqoon
اشتهر أمر هذه المدرسة في العصر الذهبي، وكان مركزها على ضفة نهر الخابور بين رأس العين والحسجة بالقرب من قرية المجدل، وتفرد رهبان ديرها المعروف بدير «قرقفة» بضبط حركات ألفاظ الكتاب المقدس وتجويد قراءته. وعرف من رأس العين سرجيس الرأس عيني (†536م) إمام عصره في الطب والمنطق والفلسفة، وهو أول النقلة من اليوناني إلى السريانية، ومن أخباره أن البطريرك أفرام الأنطاكي (526-545م) وجهه في مسائل خطيرة إلى روما وإلى قسطنطينية، فنجحت مساعيه. (7) مدرسة قرتمين
تأسست هذه المدرسة في طور عبدين سنة 397 للميلاد، واشتهر رهبانها خصوصا بصنع الرقوق وتهيئتها لنسخ الكتب، وتفننوا بتجويد الخطوط وتجديد الكتابة السطرنجيلية على يد رئيسهم المطران يوحنا عام 988م.
ويروى أن عمنوئيل ابن أخي المطران المشار إليه نسخ على رق الغزال سبعين مجلدا من الكتاب المقدس طبقا للترجمة البسيطة والسبعينية والحرقلية، ووقفها لدير قرتمين،
9
وظل هذا الدير زاهرا حتى القرن الثاني عشر.
واشتهر من هذا الدير علماء وأحبار عديدون، نذكر منهم ثئودوسيوس البطريرك (887-895م) الذي برع في الطب، وألف فيه كتابا عرف باسمه. (8) مدرسة دير برصوما بملطية
أنجبت هذه المدرسة الزاهرة علماء مشاهير قام منهم بطاركة وأساقفة ومؤلفون عديدون، نذكر منهم يعقوب بن الصليبي مطران آمد (†1171م)، وثئودوروس بروهبون (†1193م)، وميخائيل الكبير (†1200)، والمفريان غريغوريوس بن العبري (†1286م). وفي هذه المدرسة راجت أسواق العلم من القرن الثامن حتى القرن الثالث عشر.
وحوت هذه المدرسة مكتبة عامرة حفلت بعدد وافر من المخطوطات السطرنجيلية، والصكوك، والفرمانات القديمة، وقد زينها البطريرك ميخائيل الكبير بكتب جمة نسخها أو نقحها بيده، نذكر منها نسخة بديعة من الإنجيل كتبها كلها بحروف ذهبية وفضية ودبجها بصور شتى، ثم جعل ذلك المصحف الثمين ضمن صندوق فضي مذهب.
10 (9) مدرسة دير البارد
موقع هذه المدرسة في أطراف ملطية وهنزيط، تأسست في العام 969 للميلاد، وظلت موطنا للتعليم والتأليف حتى السنة 1243، وقد اشتهر أمر رؤسائها وأساتذتها بإنشائهم بعض صلوات وأناشيد تفردوا باستعمالها، وأدخلوها في الطقس السرياني، تشهد لذلك مخطوطات عديدة حفظت إلى هذا اليوم.
Bog aan la aqoon
11
نكتفي بهذا النزر اليسير من المدارس السريانية في مختلف الأقطار. وقد أسس السريان في كل مدينة أو قرية استوطنوها مدرسة أو أكثر، حتى بلغ عدد مدارسهم في بلاد ما بين النهرين وحدها زهاء خمسين مدرسة من أرقى المدارس وأوسعها. قال البحاثة السيد أحمد أمين: كان للسريان في ما بين النهرين نحو خمسين مدرسة تعلم فيها العلوم السريانية واليونانية ... وكانت هذه المدارس يتبعها مكتبات ... وكان في الأديار السريانية شيء كثير لا من الكتب المترجمة في الآداب النصرانية وحدها، بل من الكتب المترجمة من مؤلفات أرسطو، وجالينوس، وأبقراط؛ لأن هؤلاء كانوا محور الدائرة العلمية في ذلك العصر، وكان السريان نقلة الثقافة اليونانية إلى الإمبراطورية الفارسية
12
ثم إلى الخلافة العباسية.
هكذا اتسع نطاق الثقافة عند السريان حتى أناف عدد مؤلفيهم في العصر الذهبي على أربعمائة كاتب أو مؤلف اتصلت بنا أسماؤهم، وبلغت تآليف بعضهم ثلاثين أو أربعين كتابا،
13
ولعل هناك كتبة كثيرين ضاعت أسماؤهم بضياع مؤلفاتهم
14
بسبب الحروب، والفتن، والزلازل، وما شاكلها من الفواجع والرزايا.
هوامش
Bog aan la aqoon
الفصل الرابع
مكانة بطريركية السريان وعدد أبرشياتها في العصر الذهبي
انتشر السريان انتشارا عجيبا غريبا لا في أقطار سوريا وما بين النهرين والعراق وبلاد فارس وملبار فحسب، بل في الأنحاء اللبنانية أيضا، فإن بطريركيتهم الأنطاكية كانت إلى عهد الصليبيين أعظم وأهم من بطريركيات سائر الفرق النصرانية في الشرق دون جدال، وفاق عددهم يومئذ عدد سائر الملل النصرانية حتى في أنطاكية عاصمة الكرسي البطريركي.
فكان عدد أساقفة السريان في تلك الحقبة يربي على مائة وستين أسقفا، يخضعون قاطبة لبطريركهم الأنطاكي ولمفريان الشرق اللائذ به، وكان لكل من أولئك الأساقفة أبرشية خاصة برعايته؛ لأن القوانين البيعية حرمت تنصيب أسقف دون أبرشية شرعية، يتضح ذلك كله جليا من فهارس الأساقفة الملحقة بتاريخ ميخائيل الكبير، ومن التاريخ البيعي تأليف المفريان ابن العبري، ومن ثقات المؤرخين في العصور الغابرة.
وبالجملة فإن الكتبة المدققين سريانا وغير سريان، أجمعوا على أن عدد السريان في القرنين العاشر والحادي عشر ناهز المليونين من النفوس، أما عدد الملكيين في تلك الحقبة فلم يتجاوز النصف مليون، وكان عدد أبرشياتهم خمسين أبرشية،
1
وذكر الأب هنري لامنس أن غليلم الصوري في «تاريخ الصليبيين» أحصى الموارنة أربعين ألفا،
2
ذلك كله يثبت ما أحرزته بطريركية السريان في العصور السالفة من المكانة والاعتبار بين الشعوب المجاورة لها.
هوامش
Bog aan la aqoon
الفصل الخامس
انتشار عقيدة السريان في شتى الشعوب والأقطار
علاوة على اتساع بطريركية السريان في مختلف الأصقاع، فإنهم أحرزوا في القرون الوسطى مكانة علمية وشهرة عالمية لدى أقطاب الدين وأرباب الدنيا، وبهذه الوسيلة عمت عقيدتهم بالطبيعة الواحدة شعوبا جمة غير شعبهم السرياني كالأقباط، والأحباش، والأرمن، والعرب، ونصارى الملبار وغيرهم، وهذا ما حمل جمهورا من الكتبة على أن يطلقوا على ذلك العصر «عصر السريان الذهبي». (1) السريان والأقباط
على أثر استقلال السريان استقلالا بيعيا استحكمت عرى العلاقات بينهم وبين الأقباط مشايعيهم في معتقدهم بالطبيعة الواحدة، وبتوالي الأيام ازدادت تلك العلاقات متانة، حتى إننا نشاهد في سلسلة بطاركة الأقباط في الكرسي الإسكندري أسماء أربعة منهم كانوا من عنصر سرياني، وهم: البطريرك دميانس الرهاوي في القرن السادس
1
والبطريرك سيمون الأول سنة 689 للميلاد،
2
والبطريرك أبرام أو أفرام (976-979)،
3
والبطريرك مرقس الثالث (1166-1189).
Bog aan la aqoon
4
وقد نقل الأقباط عن السريان في نافورة قداسهم ميمر مار يعقوب السروجي و«رتبة كسر القربانة» تأليف ديونيسيوس يعقوب بن الصليبي (†1171م)،
5
وما برحوا يذكرون في قداسهم أسماء بعض أئمة السريان، كأفرام وسويرا البطريرك، والأنبا برصوما وماروثا،
6
ويحتفلون لسويرا البطريرك بأربعة أعياد في السنة.
7
ومما يبرهن على نفوذ اللغة السريانية في طقس الأقباط، استعمالهم كلمات سريانية في طقوسهم وليترجياتهم، كقولهم «طوبانيتين»، و«طوباني»، و«نيح»، و«لتأت ملكوتك»، و«الأخذ» أي التناول، و«ميمر»، و«رشم»، و«رشومات»، و«عتيد»، و«تنيحوا»، و«حياصة»
8 ... إلخ.
وانتشر السريان بين الأقباط في أنحاء القطر المصري انتشارا عظيما، فابتنوا في المدن والدساكر عشرات الكنائس، نذكر منها: كنيستين في الفسطاط،
Bog aan la aqoon
9
وكنيسة قريبة من السد،
10
وكنيسة مار ماروثا بناحية شمسطا،
11
وكنيستين في الخندق،
12
وكنيسة في سنموطية،
13
وكنيسة مار بهنام في مصر العتيقة،
Bog aan la aqoon
14
وقد زرناها عام 1899، وهي اليوم بيد الأقباط ... إلخ.
أما الأديار السريانية في القطر المصري، فلم يكن عددها بأقل من عدد الكنائس، وقد حفظت لنا الآثار التاريخية أسماء ثمانية عشر ديرا من أديار السريان الوافرة العدد، يرتقي عهد بعضها إلى القرن السادس للميلاد،
15
وكانت تلك الأديار حافلة بجماهير من الرهبان والزهاد والعلماء، انقطع فريق منهم إلى التأليف والنسخ، وانصرف الفريق الآخر إلى إنشاء مكتبات نفيسة أشهرها مكتبة دير والدة الله في وادي النطرون.
وكانت تلك المكتبة تحوي مخطوطات سريانية قديمة ثمينة، يرتقي عهد بعضها إلى القرن الخامس والسادس،
16
بينها زهاء ثلاثمائة كتاب مخطوطة على رق غزال،
17
وقد اشترى بعضها القس إلياس السمعاني والعلامة يوسف سمعان السمعاني، ثم ابتاع ما تبقى منها المستر تاتام سنة 1842، ونقلها إلى المتحف البريطاني في لندن كما سترى، ونشر علماء الإنكليز فهارسها في ثلاثة مجلدات.
Bog aan la aqoon
وقد ازدانت مكتبات الفاتيكان ولندن وباريس وبرلين وميلانو وأكسفرد وكمبردج وغيرها بقسط وافر من تلك الكتب السريانية، كما يستفاد من فهارس مخطوطاتها. هذا ما عدا مخطوطات نسخت في ذلك الدير وحفظت إلى هذا العهد في مكتبات أخرى، كمكتبة دير الشرفة بلبنان، ودير مار مرقس بالقدس الشريف، ومكتبة الكلدان بماردين ... إلخ. (2) السريان والأحباش
للسريان فضل عظيم في تنصير الأحباش بسعي ثئودورا الملكة (527-548م) زوجة يسطينان الأول قيصر الروم (527-565م). وكانت ثئودورا سريانية المحتد، منبجية المولد، ناصرت القائلين بالطبيعة الواحدة، وقد سبقت فأوفدت إلى بلاد الحبشة القس يوليان السرياني؛ فأذاع فيها العقيدة المنوفيزينية، وظل هناك سنتين يقصد الصهاريج ويعمد الناس كل يوم من الساعة الثالثة حتى الساعة العاشرة؛ فتنصر الأحباش على يده وفي مقدمتهم ملك الحبشة وأرباب دولته.
18
وما قلناه عن الطقس القبطي يصدق في الطقس الحبشي أيضا، ولا يزال الأحباش يستعملون في قداسهم نافورة مار يعقوب السروجي السرياني (†521م)، فضلا عن صلوات كثيرة نقلوها إلى لغتهم عن السريانية وألحقوها بليترجياتهم.
19
وكانت تربط الشعبين السرياني والحبشي روابط العقيدة الواحدة، وما كانت الفوارق اللغوية أو الحواجز الجغرافية أو الاختلافات الجنسية لتقوى يوما على فصم عرى تلك الروابط التي نشأت عنها في مختلف العصور بعض العلاقات بين الأحباش والسريان؛ فالتاريخ يروي أن الأمير جرجس ابن نجاشي الحبشة انطلق سنة 836 إلى بغداد عاصمة العباسيين لتحية الخليفة المعتصم بالله؛ فاجتمع هناك في شهر آب بالبطريرك ديونيسيوس الأول التلمحوي، وبناء على رغبته ناوله هذا البطريرك السرياني القربان المقدس، ثم قدم له بعض الهدايا كذكرى لتلك المقابلة التاريخية.
20 (3) السريان والأرمن
كان الأرمن قبل استنباطهم الحروف الأرمنية يستعملون القلم السرياني في كتاباتهم، وأول من فكر منهم في وضع الحروف الأرمنية هو القديس مسروب في أوائل القرن الخامس، فإنه قصد مدينة الرها مع بعض تلامذته وتخرجوا قاطبة في مدرستها الشهيرة بالآداب السريانية على يد دانيال مطرانها العلامة،
21
وعني مسروب، وإسحاق جاثليق الأرمن (390-439) بنقل الأسفار المقدسة،
Bog aan la aqoon
22
وترجم شرح مار فرام الملفان لكتاب «الدياطسرون» عن اللغة السريانية إلى اللغة الأرمنية، ثم نقل الأرمن تسع عشرة مقالة من كتاب «البراهين» تأليف القديس يعقوب أفرهاط وغير ذلك، عن اللغة السريانية إلى اللغة الأرمنية.
23
وابتنى السريان في أرمينيا كنائس عديدة وأديارا زاهرة، نذكر منها كنيستين فخمتين في سيس عاصمة ملوك الأرمن وكرسي بطريركيتهم، ثم ديرين كبيرين قرب طرسوس.
24
وكانت مدينة آطنة المجاورة لتلك العاصمة آهلة في القرن الثاني عشر بالسريان دون سواهم، يرعاهم مطران من جنسهم ومعتقدهم.
25
وكان للسريان في أرمينيا أبرشيات وافرة العدد ، تسلسل فيها الأساقفة جيلا بعد جيل حتى القرن الثالث عشر، وقد ذكرها ميخائيل الكبير في لائحة الأساقفة التي ألحقها بتاريخه كأبرشيات سيس، وطرسوس، وعين زربا، وخلاط، وآطنة ... إلخ.
ومما يستحق الذكر أن البطريرك أغناطيوس الرابع (1264-1283) احتفل احتفالا شائقا في كاتدرائية سيس السريانية بترقية غريغوريوس بن العبري إلى الرتبة المفريانية، بحضور أساقفة السريان والأرمن، وبعد الاحتفال رحب حاتم ملك قيليقيا الأرمني في بلاطه بالبطريرك والمفريان والأحبار والأعيان.
26 (4) السريان والعرب
Bog aan la aqoon
مثلما نشر السريان عقيدتهم بالطبيعة الواحدة بين الأقباط والأحباش والأرمن، نشروها كذلك بين العرب جيرانهم بني غسان ونجران وتغلب ومعد وبني كلب وغيرهم، وكان بطاركة السريان ينصبون أسقفا أو أكثر لكل قبيلة من تلك القبائل العربية، ودعي بعضهم بأساقفة «المضارب»، فكانوا يرافقون القبائل العربية المتنقلة ويقيمون الرتب الدينية تحت الخيام.
27
ومن أساقفة العرب نذكر:
شمعون أسقف بيث أرشم،
28
وثئودور أسقف حيرة النعمان،
29
وقد وضع اليد عليه يعقوب البرادعي الأسقف المسكوني.
ثم إن البطريرك يوليان الثالث (688-709م) نصب أسقفا للعرب التغالبة يقال له يوسف،
30
Bog aan la aqoon