وقد كانت أغلب الصحف والمجلات تكاد تعيش على هذه الإعلانات. وهكذا استطاع الفتى أن يصلح شأن نفسه، أما شأن ذويه فهو غير مسئول عنهم؛ فقد كان أبوه موظفا ضئيل الدخل هزيل المرتب، وكان له إخوة ثلاثة فلم يفكر يوما أن يعين أهل بيته بما يجعل الحياة معقولة أو ممكنة، بل إنه يرغم أباه على أن يشتري له الملبس أيضا. أما أنه يطعم بالبيت فهذا أمر يراه طبيعيا؛ فما دام أبوه قد أتى به إلى الحياة فهو مسئول أن يطعمه حتى يتخرج. وهو لا يرى أن هذه القاعدة يمكن أن يرد عليها استثناء مهما يكن هو موفور الدخل، ومهما يكن أبوه مجهدا قليل المال كثير النفقة.
ومع المران والأيام صار يسافر إلى بلدته يبحث عن طلاب الحاجات ويتشفع لهم، وينال من جدواهم ما يعتبرونه رشوة وما يعتبره هو حقا لا شك فيه ولا مناقشة.
وما هي إلا زيارة أو اثنتان إلى البلدة حتى أصبح الفتى مقصد قريته والقرى المجاورة جميعا، وأصبح أمره مشهورا، وأصبحت أسعاره معلومة لا يجهلها أحد. وما لقصاده لا يكثرون وكل من يقصده بمعضلة يحلها له؛ فشفاعته عند ذوي الشأن مقبولة، وهو دائما عندهم موضع ترحيب.
وأركان الصفقة معروفة واضحة المعالم. يستجيب الوزير للشفاعة من الفتى، ويهتف الفتى باسم الوزير في حفلات الحزب. ومن الناحية العكسية لا يستجيب الوزير لشفاعة الفتى، فلا يهتف الفتى باسم الوزير.
وحتى أكون صادقا مع نفسي ومعك لم يكن كل الوزراء في العهد الوفدي أو غيره من العهود يهتمون في كثير أو قليل بهتافات الفتى أو صراخه. فإذا استجابوا لشفاعة منه فهي استجابة حزبي كبير لشاب من شباب الحزب. والفتى لا يهمه الباعث عند الوزير، وإنما كل ما يهمه أن يحقق ما كلفه به دافعو الرشاوى. وليكن الباعث بعد ذلك ما يكون فهو لا شأن له به.
واحترقت القاهرة.
وراحت الوزارة تنتقل تائهة من عهد إلى عهد، فما استقرت على رئيس، ولا تريثت عند وزير. وزاغت أعين الفتى، فأصبح لا يدري باسم من يهتف، ولا بمن يصل أوشاجه، ولا إلى أي كرسي يمد حباله.
وجاءت الثورة، واتضحت المعالم، ووضحت له الأمور وضوحا تاما.
كان صوته بالمران والممارسة أعلى الأصوات في الهتاف من رئيس إلى رئيس، في مثل السهولة واليسر التي كان ينتقل بها من حزب إلى حزب فيما قبل الثورة.
وحين استقر الحكم كان الفتى الذي أصبح شابا ذا خبرة واسعة بمعرفة الطريق الذي يختار أعظم الهاتفين شأنا وأعلاهم صوتا.
Bog aan la aqoon