وهل شيء أرفع مما يكون عدة على اقتحامها، ثم إن فيها الإحسان إلى الضعفاء، وإن من الشرف معاونة الضعيف، ولذلك روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) أنه قال في خطبته بإيوان المدائن: «السيد من فعله جيد، والشريف من أنصف الضعيف» (1).
وأما الجواب عن قولهم: وليس حب الطعام مما يتمدح به وقد قال: على حبه
فهو إنا نقول لهم: ليس الآية على ما توهمتموه، وفي معنى الآية ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الهاء راجعة إلى اسم الله سبحانه في قوله: يشرب بها عباد الله [6/ الإنسان: 76] والقرآن كله كأنه سورة واحدة أو كأنه اية واحدة فسواء قربت الكناية من المكنى أو بعدت، ومعناه: «ويطعمون الطعام على حب الله سبحانه»، وكذلك المخلص يفعل ما يفعله من خير حبا لله تعالى ويجتنب ما يجتنبه من شر خوفا منه ومن عقابه.
ثم إن الحب يختلف بإختلاف الدرجات وكذلك الخوف يختلف باختلاف الرجال والمقامات، فلا يخلو مخلص من خوف وإن لم يبلغ الكمال/ 65/ في أحدهما.
الثاني: أن الهاء راجعة إلى الطعام، أي ويطعمون اطعام في حال يحب [المطعم] في مثله الطعام.
وروي عن مجاهد أنه قال: ويطعمون الطعام على حبه أي وهم يشتهونه.
وهذا هو مدح الخصال، لأن الرجل إذا أطعم وهو مستغن عنه فإنه وإن كان ممدوحا بذلك فلا يكون كالذي يطعمه وهو محتاج إليه يشتهيه إلا أنه اثر غيره على نفسه فيه، فليس الذي يعطي عن قلة كالذي يعطي من كثرة، ولا الذي يعطي وهو يشتهيه عبادة وايثارا لغيره على نفسه فيه، كالذي يعطي عادة ولا يرى ذلك عبادة، أو يعطي عن غنى.
Bogga 52