Carais Bayan
عرائس البيان في حقائق القرآن
Noocyada
جهلة النفوس طلبوا العز من موضع الذل وأخطأوا الطريق ، فان العزة بصفة الأزلية ، ومن لم يكن متصفا بعزة الأزلية لم يكن عزيزا بين الأعزاء ، ويكون ذليلا بين الأذلاء ، قال على وجه الاستفهام والتعجب ونفي العز عن غيره ، وأضاف العزة إلى جلاله وعظمته ، أي : افهم أنهم لو يريدون العزة فينبغي أن يطلبوا العزة إلى جلاله وعظمته ، أي : افهم أنهم لو يريدون العزة فينبغي أن يطلبوا العزة من عند من كان عزيزا ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأولياءه ؛ لأن عليهم رداء عزة العزيز ، قال تعالى : ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) [المنافقون : 8].
قال محمد بن الفضل : كيف تبتغي العزة ممن عزه بغيره ، فاطلب العزة من مظانه ومكانه ، قال الله : ( فإن العزة لله جميعا ) فمن اعتز بالعزيز أعزه ، ومن اعتز بغيره أذله.
قال رسول صلى الله عليه وسلم : «من اعتز بالعبد أذله الله» (1)، فابتغ من عند رب العزة يعزك في الدنيا والآخرة.
قال أبو سعيد الخراز : العارف بالله لا يرى عزة إلا منه.
قال الواسطي : ما مالت سريرة إلى حب العز إلا ظهر خسوفها ، وما مالت النحيرة إلى حب الدنيا إلا ظهرت ظلمتها عليه ، فصارت محجوبة ، وعن [المآب (2) ] مصروفة.
( إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين ) بين أن من خالف الطريق ، وظهرت منه الخيانة لم يصل إلى مقام الأول إلا بالعبور على هذه الشرائط المخصوصة ، منها التوبة وهى الخروج من النفس والهوى ، والرجوع إلى الله بمراد الله ، والإصلاح وهو إصلاح السريرة بنعت تقديسها عن النظر إلى غير الله ، والاعتصام بالله الالتجاء إليه في جريان القضاء ، والقدر عليه الإخلاص في الدين تجريد الأسرار عن النظر إلى الأغيار ، فإذا غير على هذه القناطر فتكون في السلوك مع العارفين ، ولكن لم يكن معهم في مشاهدة رب العالمين لا صحبة المخالف لم تكن مستعدة لما نال أهل المعارف والكواشف ، وبيان ذلك قوله تعالى : ( فأولئك مع المؤمنين )، وما قال «من المؤمنين» أي : ليس هؤلاء منهم وإن اجتهدوا في الطريق ؛ لأن الجاهد وإن اشتد جهده لم يكن عارفا ، لأن المعرفة موهبة الأزلية ، وهبها الواهب لمحبيه بغير علة ، وهذا إخبار عن قوم محرومين من الوصول إلى هذه المقامات ، وظهر في نحوي الخطاب أن هذا الخبر منهم أنهم لم يفعلوا ذلك.
Bogga 285