130

Alee Baab Zuweyla

على باب زويلة

Noocyada

وصاح خاير في الجند ليفل جموعهم: النجاة! النجاة قبل أن يحاط بكم فقد مات السلطان!

فتفرق الجيش المصري أباديد على ظهر البادية، وخلى أمراءه على الأديم صرعى، وخلى سلطانه على فرسه يصيح بمن حوله ليثبتهم فلا يستجاب له. وانطوى اللواء المنشور على رأس السلطان وفر حامله، فلوى عنان فرسه يطلب لنفسه النجاة فيمن نجا، فلم يكد يفعل حتى تراءت لعينيه صورة، ورن في أذنيه صوت ... فجفل الفرس وألقى براكبه على الغبراء، وراح يعدو خفيف الظهر ليدرك غبار الجيش المنهزم ...

وهم السلطان أن ينهض من كبوته فما أطاق، ورأى سيفا مسلولا يلمع على رأسه في يد شيخ مسيخ، مشوه الخلق، مائل الفك، بشع المنظر. وكأنما تجسد الموت بشرا، فكانت صورته هي ذلك المسيخ في يده ذلك السيف المسلول، وانعقد لسان السلطان من الرعب فلم ينطق، وهوى الشيخ بسيفه على رأس السلطان وهو يصيح في نشوة: خذها من يد أركماس!

فتح الغوري فمه مذعورا، واتسعت حدقتاه، ومد زراعيه أمامه كأنما يحاول أن يدفع بهما شبحا بغيضا يتراءى له، وقد انبعثت في خياله صورة ماضيه البعيد حية، كأن لم تمض دونها تلك السنون، وحرك فكيه وقد سال الدم إلى فمه من الجرح الغائر في جبهته، وهو يقول بصوت مختنق: أركماس!

صاح الشيخ في غلظة والسيف في يده يقطر دما: نعم، أركماس الذي ظننت يوما أنه مات تحت أخفاق البعير الهائج في دروب القاهرة وذهب إلى غير معاد، قد نشر اليوم من موت ليأخذ منك ثأر أبيه، الذي جاء يطلبك به من أقصى بلاد الأرض منذ أربعين سنة!

قال الغوري وقد ارتخت أجفانه وسقطت ذراعاه الممدودتان إلى جانبه، وامتلأ فمه بالدم حتى فاض: أنت ... أنت ... أرقماس ... أرقما ...

ومال رأسه وانطبقت أجفانه، ولفظ النفس ...

واحتز أرقم رأسه فألقاه في جب قريب، وخلف على الغبراء جسدا بلا رأس، لا يعرفه أدنى الناس إليه صلة وأقربهم مودة، ومسح الدم عن سيفه وهو يقول في شماتة: فليبق قنصوه الغوري في هذه المفازة طريحا، حتى يتخطفه الطير فلا يضم جسده ضريح في بطن الأرض ... كذلك دعاها عليه مختص الطواشي حين اغتصب الغوري قبره فخط عليه مسجده، وقد استجاب الله دعوته!

ثم استدار أرقم فاتخذ طريقه في أدبار الجيش المنهزم إلى حلب.

أوصدت حلب بابها في أوجه المرتدين من جيش الغوري؛ توقيا من مثل ما نالها من مظالم الجند قبل رحيلهم إلى مرج دابق، وضنا بأقواتهم أن يستنفدها هؤلاء المتبطلون، وحفاظا على أهليهم ودمائهم وأموالهم من الهتك والسفك والنهب، وطمعا فيما خلف عندهم أمراء المماليك والجند من الودائع الغالية، واستجابة لنصيحة أميرهم خاير بن ملباي ...

Bog aan la aqoon