وإذن فهي الحرب لا مناص.
وخرج الغوري في حاشيته يرفرف عليه لواؤه السلطاني، ويحيط به الخليفة العباسي، وشيوخ الصوفية، وطائفة من الدراويش وأهل الصلاح والخير، وكان على ميمنته سيباي أمير الشام، وعلى الميسرة خاير بن ملباي أمير حلب، وفي المقدمة القرانصة من مماليك السلاطين الماضين، وقبع الجلبان مماليك السلطان الغوري في المؤخرة، يأملون أن يغني عنهم دفاع القرانصة الشجعان فلا يصلون حر القتال في الصفوف الأولى ...
وفي الجمع المحتشد من الصوفية والدراويش والفقهاء تحت لواء السلطان، كان شيخ مسيخ، مشوه الخلق، مائل الفك، مستكرش البطن، أحمش الساقين، قد لصق بظهر فرسه متكورا عليه كأنه صرة ثياب يتدلى على جانبيها عصوان من قصب، وكان في يده سيف مشهور يترقرق في مائه شعاع الشمس، وعيناه تدوران في محجريهما إلى يمين وإلى شمال، لا يريد أن تفوته حركة مما حوله ...
ذلك أرقم الرمال قد خرج في يوم الكريهة ليؤدي فريضته.
والتقى العسكران، وحمل الفرسان من جيش الغوري على عسكر الروم، فأثخنوا فيهم طعنا بالرماح وضربا بالسيوف يشقون الصفوف المتراصة، وتبعهم من تبع من الركبان والرجالة يحصدون الرءوس عن أيمانهم وعن شمائلهم، فلا يكاد يثبت لهم راجل ولا راكب، والغوري في موقفه يشهد المعركة راضيا قد خيل إليه النصر ... وكان على رأس أولئك الفرسان قائد الميمنة سيباي أمير الشام، وهتف الغوري في زهو وحماسة: سلمت يداك ولا عاش من يشناك يا سيباي!
وفجأة برق في الجو شعاع من نار، وثار غبار، وسمع دوي قاصف كالرعد، وخر مائة من المصريين صرعى من طلقة مدفع، ثم توالت الطلقات وانهالت قذائف البارود تحصد المصريين حصدا فلا تبقي ولا تذر ...
ما هذه النار الخاطفة كأنما انبعثت من طاق الجحيم؟ وما تلك الشظايا الملتهبة على الرءوس، كطير أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل؟!
هذا سلاح جديد في يد الروم، لم يحسب المصريون حسابه، ولم يتخذوا له أسبابه، وصاح صائح المصريين يستنفرهم: اقتحموا عليهم قبل أن يحاط بكم، فإن نارهم لا تنال إلا من بعد.
فاندفعت الميمنة إلى جيش العدو واقتحمت على الرماة، فأسكتت أفواه المدافع وهم العدو أن يرتد ...
وفي اللحظة التي حان فيها النصر وأوشكت أن تنتهي المعركة، تقهقر خاير بمن وراءه من الميسرة وحطم جناح الجيش، وأحيط بسيباي ومن معه من الفرسان، فسقطوا صرعى تنوشهم سيوف الروم من كل جانب.
Bog aan la aqoon