الفصل العاشر
الأب
الأبوة الروحية والأبوة النوعية
حفظ النوع سر من أسرار الحياة الكبرى التي دقت عن الفهم وحارت في تعليلها عقول الأساطين من أهل العلم والحكمة.
وهو - ولا ريب - يجري على قانون مطرد في جميع طبقات الأحياء، وإن كنا نحن لا نعلم كنهه ولا نسبر عمقه، ولا نزيد عن استقصاء بعض الملاحظات التي تقارب الحقيقة، أو هي أقرب ما نستطيع الوصول إليه.
وأهم هذه الملاحظات التقريبية أنه يجري على سنة المكافأة والتعويض في معظم حالاته. فيقابل النقص في جانب بالزيادة في جانب آخر، ويقابل القصور في مزية من المزايا بالإتقان في مزية أخرى.
فالأحياء السفلى عرضة للعطب الكثير في طور الولادة والحضانة، فيقابل هذا أن الأحياء السفلى ترسل ذرياتها بالألوف وألوف الألوف، فيبقى منها القليل الكافي لدوام النوع بعد فناء الكثير.
والأحياء العليا يقل عدد المولود منها في البطن الواحد فيقابل هذا أن تطول حضانتها والعناية بها، وتجد من وسائل الصيانة ما يعوض الكثرة في الأحياء السفلى.
ويغلب أن يزيد النسل حين تكون زيادة النسل هي الوسيلة الوحيدة التي يستطيعها الفرد لخدمة نوعه وضمان دوامه. فإذا تيسرت للفرد وسائل مختلفة لخدمة نوعه فقد يجور ذلك على نسله وينتقص من قسمته في أبنائه، كأنما خدمة النوع ضريبة مفروضة على كل فرد في صورة من الصور، فإذا أداها في صورة أعفي منها في الصورة الأخرى، أو كأنما هي مواهب وأرزاق لا يستوفيها الفرد الواحد إلا بثمن غال يحسب عليه، يؤدي حسابه للنوع على نحو من الأنحاء.
والإنسان هو أقدر المخلوقات الحية على خدمة نوعه بوسائل كثيرة لا تنحصر في تجديد النسل وزيادة عدده.
Bog aan la aqoon