97

ولكن المقارنة بينه وبين قواد الطراز الأول من الزمن القديم تقدمه إلى المرتبة الأولى بين أكبر القواد ، ومنهم الإسكندر وبلزاريوس اللذان حاربا عدوا كعدوه في ميدان كميدانه. فالإسكندر في وقعة «أرهل» هزم جيشا فارسيا تقدر عدته بمائة ألف من الفرسان والمشاة، وبلزاريوس في وقائع أرمينية هزم جيشا فارسيا تقدر عدته بأربعين ألفا أو قرابة الأربعين ... والمقارنة بين خالد بن الوليد وهذين القائدين ترجح كفته على كفتيهما معا في هذا الميدان؛ لأن الإسكندر كان يقود خمسة وأربعين ألفا ويلزاريوس كان يقود نيفا وعشرين ألفا، وكلا الجيشين مسلح بأمضى الأسلحة في ذلك الزمان ...

وقد كان خالد يحارب بثمانية عشر ألفا جيوشا أعظم من الجيوش التي تصدى لها القائدان الكبيران، ولم يكن له مثل سلاح المقدونيين أو سلاح الرومانيين، ولم يكن نصرهما كنصره ولا العاقبة بعدهما كالعاقبة بعده، وزاد على ذلك أن انتصر مثل هذا النصر على كل عدو من العرب أو العجم، ومنهم الرومان في أكبر الميادين، ميدان اليرموك.

فكان خالد في التاريخ العسكري هو مكان الطليعة بين أكبر القواد الذين اشتهروا بالفن، أو اشتهروا بالعبقرية، أو اشتهروا بالمناقب الشخصية. وفيه من ملامح القيادة في العظائم والصغائر ما يدل على طبيعة القيادة الملهمة، وأنه كان كما يقال قائدا من فرع رأسه إلى قدميه.

فقد خالد قلنسوته يوم اليرموك، فقال: اطلبوها، فبحثوا ونظروا فلم يجدوها، فما زال يأمرهم أن يطلبوها ويلحوا في طلبها حتى وجدوها، فإذا هي خلقة لا تساوي شيئا. فسئل عن ذلك فقال: «اعتمر النبي

صلى الله عليه وسلم

فحلق رأسه فابتدر الناس شعره فسبقتهم إلى ناصيته فجعلتها في هذه القلنسوة، فلم أشهد قتالا وهي معي إلا تبين لي النصر.»

رحمه الله! لم تفته من سمات القيادة حتى التعويذة المشهورة بين رجال الحروب ... فما زال معلوما عن كبار الجند أنهم يأنسون إلى تعويذة يعتزون بها ويستبشرون بصحبتها وهم يخوضون غمرات الموت. وما في ذلك من عجب، فليس أحوج إلى صلة بعالم الغيب من رجل يلقى الموت صباح مساء.

وقال خالد في أخريات عمره: «ما ليلة يهدى إلي فيها عروس أنا لها محب، أو أبشر فيها بغلام أحب إلي من ليلة شديدة الجليد في سرية من المهاجرين، أصبح بهم العدو، فعليكم بالجهاد.»

هذا حبيب الحرب الذي يهواها وتهواه، فله منها الصفوة التي لا تصطفي بها أحدا من الطلاب والقرناء على بغضاء.

الفصل العاشر

Bog aan la aqoon