94

ولم يخف عليه قط مقتل العدو من قوته الأدبية حيثما عمد إلى هذا المقتل في منازلات للمستبدين والطغاة. فإنهم في جيوش الأمم التي طال عهدها بالظلم يرتفعون إلى مقام الأرباب من حيث يتحدر رعاياهم إلى مقام القطيع السائم. فإذا أصيب القائد في الجولة الأولى، فكثرة الجند بعد ذلك معوان على الهزيمة وليست بالوقاية منها؛ لأنها كثرة من الخوف والذعر وليست كثرة من الثقة والثبات.

ولقد كان هو يخلق فنون الحرب التي يجمعها «الخبراء» في عصورنا هذه بمراجعة الحروب وتحصيل الدروس واستخراج القواعد من الخطط والمعلومات.

قرأنا في كتاب «فن الحرب اليوم»

1

لمؤلفيه من قواد البحر والبر والهواء: «عند بحث هذه المسألة ينبغي أن نحضر في أذهاننا أنه مع استثناء قليل لم يكن ثمة إلا نوعان من السلاح سيطرا على حومة القتال، وهما السلاح المقذوف والسلاح الضارب أو القارع، أي النبل أو السهم أو الرصاصة من جانب، والهراوة والسيف والرمح من الجانب الآخر ... ومجمل ما يقال بعد هذا أن الصف هو أنسب الأوضاع لتطور قوة السلاح المقذوف وأن الكردوس أنسب الأوضاع لتطور قوة السلاح الضارب؛ لأن الرماة بالقذائف يحتاجون إلى مدى مكشوف. وإنما يتأتى الضرب في العمق كرات متلاحقات من المقاتلين جماعات جماعات.»

إن خالد بن الوليد لم يقرأ ولم يفته شيء بفواته عنه؛ لأنه قد علم كنهه ولبابه من بديهته الحربية، فقاتل بالصفوف حيث تغني الصفوف وبالكراديس حيث لا تغني إلا الكراديس.

وفي هذا الكتاب أيضا يقول المؤلفون: «يتضح مما تقدم أنه في حملات السلاح الضارب هناك أمران ضروريان، وهما: الاستطلاع، وكتمان الحركات، والغرض من الاستطلاع وزن قوة العدو ومن كتمان الحركات أن تحول بينه وبين وزن قوتك وتوقع الهجمة من أي موضع تكون ...»

ثم يتكلمون عن الاستطلاع كما يجري في عصرنا الحديث فيقولون: «وعلى هذا يجري الاستطلاع من الهواء قبل الحركات الأولى وفي خلالها، وتتقدم الكراديس في أثناء ذلك على نظام المعركة، أي على النظام الذي تتألف به حين تدعى إلى الهجوم.»

وهذه هي ربيئة خالد للاستطلاع، ومسيره «على التعبئة الكاملة» التي يهجم بها ساعة اللقاء بالنظام الذي كان يسير عليه، ثم يدخل في التحام قريب ولا يطيل في موقف التقاذف بالنبال والسهام.

وتقرأ في كتاب «الأسلحة وفنون التعبئة»

Bog aan la aqoon