Cabqariyat Imam Cali
عبقرية الإمام علي
Noocyada
أهم هذه الأسباب، أنه خالف بعض السنن التي اتبعها النبي - عليه السلام - في الأذان والصلاة، وأنه أدنى أناسا من أقاربه كان رسول الله - عليه السلام - قد أقصاهم عن المدينة ... فاستدعاهم إليه بعد استخلافه، وأغدق عليهم المنح والأموال، وأنه أطلق العنان لأبناء أسرته في الولاية والعمالة، ومنهم من اتهموه بإقامة الصلاة وهو سكران، وأنه منح سفيان بن حرب مائتي ألف درهم، ومنح الحارث بن الحكم زوج ابنته عائشة مائة ألف درهم من بيت المال، وأنه توسع في بناء القصور، وحرم بعض الصحابة، وضرب بعضهم على مشهد من الملأ ضرب إهانة وإيجاع ...
ولم تنقض سنوات على هذه الحال حتى كثر المترفون من جانب، والمتربون من جانب آخر، وشاع بين الجانبين ما يشيع دائما في أمثال هذه الأحوال من الملاحاة والبغضاء والتزيد بالتهم واللجاجة، وإضافة الأوهام إلى الحقائق في خلق ذرائع الخلاف والشحناء.
ويدل على خطر مسألة الثروة في هذه الفتنة، أن الناس تألبوا على الخليفة مرة ... فأرسل في طلب علي ليصرفهم عنه، فلما قدم إليه استأذنه في إعطائهم بعض الرفد العاجل من بيت المال، فأذن له ... فانصرفوا عن زعماء الفتنة، وهدءوا إلى حين ...
ثم توافد المتذمرون من الولايات إلى المدينة مجندين وغير مجندين، وتولى زعامة المتذمرين في بعض الأحيان جماعة من أجلاء الصحابة، كتبوا صحيفة وقعوها وأشهدوا فيها المسلمين على مآخذ الخليفة ... فلما حملها عمار بن ياسر إليه، غضب وزيره مروان بن الحكم، وقال له: «إن هذا العبد الأسود قد جرأ عليك الناس ... وإنك إن قتلته نكلت به من وراءه.» فضربوه حتى غشي عليه.
وفي مرات أخرى، كان الخليفة يصغي إلى هذه الشكايات ويندم على ما اجترحه أعوانه بعلمه أو بغير علمه، ثم يعلن التوبة إلى رعاياه، ويؤكد لهم الوعد بإقصاء أولئك الأعوان، وإخلافهم في أعمالهم بمن يرضي المسلمين، ويرضي الله.
ثم يغلبه أولئك الأعوان على مشيئته، فيبقيهم حيث كانوا ويملي لهم فيما تعودوه من الترف والنكاية، وعلى رأسهم مروان بن الحكم ... أبغض أولئك الأعوان إلى المسلمين، حتى من أهل الخليفة المقربين.
وكان بعض الوفود يشكون ولاتهم، فإذا عادوا إلى بلادهم تلقاهم أولئك الولاة بالأذى، وقتلوا بعضهم ضربا على ملأ من الشاكين الذين ينتظرون الإنصاف ... فيعود المضروبون إلى الشكوى، وينصرهم أجلاء الصحابة عن الخليفة، ويسألونه أن يولي عليهم غير واليهم المسيء إليهم، فإذا توجه الوالي الجديد إلى مكانه، إذا في الطريق رسول يحمل خطابا للوالي المعزول، يأمره فيه بقتل من يفد إليه من حاملي الشكوى وحاملي كتاب الولاية، ويقره في مكانه!
حدث هذا مع وفد مصر، واختلفت الأقاويل في تأويله من متهم للخليفة، ومتهم لمنافسيه على الخلافة، ومتهم لوفد الشكوى الذي عثر بالخطاب، ومتهم لمروان بن الحكم - عنصر السوء في هذه المأساة كلها - وهو أولى الأقاويل بالترجيح والتصديق، إذا كان أيسر شيء على مروان لو كان بريئا من هذه المكيدة أن يكشف حقيقتها بسؤال الغلام حامل الخطاب، وفي كشف هذه الحقيقة إبراء له، وتعزيز لسلطان الخليفة، وفضيحة لأعدائه، وإدحاض لحجة الفتنة ودعوة الإثارة والتحريض ... ولكنه أهمل السؤال، وقنع من تبرئة نفسه بقذف التهمة على متهميه ... •••
وظل الخليفة والثوار يشتبكون ويتحاجزون ... لا هم في حرب، ولا هم في سلام ...
وكلما تحاجزوا بعد اشتباك منذر بالشر، زاد الخليفة ضعفا، وزاد الثوار ضراوة، وزاد التوجس بينهم استفحالا، واتسع مع التوجس مجال السعاية والإرجاف بين الفريقين حتى بلغ الكتاب أجله ...
Bog aan la aqoon