Cabqariyat Imam Cali
عبقرية الإمام علي
Noocyada
كان علي نموذج أصحابه الأعلى، وكان معاوية نموذج أصحابه الأعلى، وكانا لأجل ذلك في موضع رشحتهما له الحوادث قسرا قبل أن يرشحا له بإرادة مريد.
وما نحن بقادرين على وزن الرجلين، ولا على المقابلة بينهما في الرأي والعمل ما لم نستحضر هذه الحقيقة أبدا، وما لم نذكر أبدا أن أحدهما كان يعمل والحوادث حرب عليه، وأن الآخر كان يعمل والحوادث عدة في يديه! ...
البيعة
بويع لعلي بالخلافة بعد حادثة من أفجع الحوادث الدامية في تاريخ الإسلام، وهي مقتل الخليفة عثمان بن عفان في شيخوخته الواهنة، بعد أن حصروه بين جدران داره، وكاد يقتله الظمأ لو أمهله القتلة بضعة أيام ...
وأفجع ما كان في هذه الحادثة، أنها بلاء لا يدفع، وقضاء لا حيلة لأحد في اتقائه؛ لأن المسئولين عنه كثيرون متفرقون في كل جانب يناصره أو يعاديه ... فإذا امتنع الأعداء لم يمتنع الأصدقاء، وإذا بطل الشر الذي فيه اختيار لم يبطل الشر الذي لا اختيار فيه، وربما كان حسن النية وسوء النية هنا صنوين متساويين، فمن الأعمال المؤسفة التي عجلت بالفاجعة أعمال كثيرة بدرت من عثمان نفسه، أو لعله أقدم عليها بعد قصد ومراجعة، وليست هي في تعجيلها ولا في سوء مغبتها بأهون من أعمال الأعداء ...
مضت السنون الأولى من خلافة عثمان على خير ما كان يرجى لها أن تمضي في عهد خليفة ...
ثم تغيرت الأحوال فجأة من جانب الراعي ومن جانب الرعية، لأسباب لم تكن طارئة ساعة ظهورها، وإن ظهرت عواقبها طارئات.
وتتعدد الأسباب التي أوجبت ذلك التغيير بعد السنوات الأولى، ولكنها قد تنحصر في سببين اثنين جامعين لغيرهما من الأسباب العديدة، وهما إمعان الخليفة في الشيخوخة، واستمراء الأعوان لما نعموا به من لين الخليفة ولين الرغد والمتاع.
ولقد كتبت الأسفار المطولات في إحصاء المآخذ على عثمان - رضي الله عنه - وكتبت الأسفار المطولات في تبرئة الخليفة من تلك المآخذ، أو الاعتذار له بأحسن الأعذار وتفسيرها على أحسن الوجوه؛ لأن المسألة خرجت من عداد المسائل التاريخية، وانتقلت إلى ميدان النزاع بين الأحزاب والمذاهب وأقاويل الجدل والحجاج ... فجعلها الشيعيون وأهل السنة ذريعة إلى تأييد مذهب، وإنكار مذهب في الخلافة والخلفاء، وراح الأولون يبالغون في الاتهام كما يبالغ الآخرون في الدفاع، ولا طائل هنا من شرح هذا وذاك، ولا هو مما يقتضيه كلامنا الآن ... وإنما المرجع فيه إلى تاريخ عثمان ...
إلا أننا نجتزئ هنا بالإشارة إلى التذمر الذي أثار الفتنة، والإلمام بأسبابه عند أصحابه ... فمما لا شك فيه أنهم تذمروا لأسباب تثيرهم، وإن طال الشك والجدل حول نصيبهم من الخطأ والصواب.
Bog aan la aqoon