Cabd Rahman Kawakibi
عبد الرحمن الكواكبي
Noocyada
ومنها إقامتهم النصب المفكرة بما نصبت له من مهمات الوقائع القديمة.
ومنها نشرهم في الجرائد اليومية كل الوقائع والمطالعات الفكرية.
ومنها بثهم في الأغاني والنشائد الحكم والحماسات، إلى غير ذلك من الوسائل التي تنشئ في القوم نشأة حياة اجتماعية.
ولا تتم في الأمة تربية قومية بغير تعليم المرأة كما قال في أم القرى: «إن ضرر جهل النساء وسوء تأثيره في أخلاق البنين والبنات أمر واضح غني عن البيان.»
وهذا فضلا عن سوء تأثيره في الرجال من الأزواج؛ لأن الرجل - كما قال - «يغره أنه أمامها - أي أمام زوجته - وهي تتبعه فيظن أنه قائد لها، والحقيقة التي يراها كل الناس من حولهما دونه أنها إنما تمشي وراءه بصفة سائق لا تابع».
ويفسر الكواكبي حجاب المرأة الشرعي بأنه «محدود بعدم إبداء الزينة للرجال الأجانب، وعدم الاجتماع بهم في خلوة أو لغير لزوم»؛ لأن الحجاب بهذا المقدار يكف من سوء تأثير النساء ويفرغ أوقاتهن لتدبير البيوت «توزيعا لوظائف الحياة».
ويرى الكواكبي أن «جهالة النساء المفسدة للنشأة الأولى وقت الطفولية والصبوة» هي علة من أكبر العلل التي أصابت الحياة القومية في الشرق بداء «الغرارة» كما سماه وفسره بالقصور عن طلب «الإتقان» في أعمال العاملين، وإن كان لهم علم بما يعملون ويشرفون عليه.
فالذين يفهمون صناعاتهم من الشرقيين غير قليلين ، ولكنهم يقنعون بالفهم ولا يجيدون العمل ولا يذهبون فيه إلى غايته التي تخليه من النقص وتجمع له مزايا الإتقان والوفاء؛ لأن الفهم شيء يقدر عليه المرء قبل التطبيق، وإنما يظهر الإتقان أو النقص عند تطبيق الأعمال التي يتداولها الناس، فلا يقع الإتقان حيث يثقل أمره على الناس في معاملاتهم، وحيث يتهاونون فيه ولا يطلبونه أو يبذلون فيه حقه، وهنا يظهر أثر «التربية القومية» في المعاملات، أو يظهر الفارق البعيد بين فهم العمل والعناية بإتقانه واجتناب النقص والتقصير فيه.
ومن الأمثلة التي أوردها الكواكبي على الغرارة في كبار الأعمال وصغارها أننا نتوهم «أن شئون الحياة سهلة بسيطة، فنظن أن العلم بالشيء إجمالا ونظريا بدون ثمرة عليه يكفي للعمل به، فيقدم أحدنا مثلا على الإمارة بمجرد نظره في نفسه أنه عاقل مدبر، قبل أن يعرف ما هي الإدارة علما، ويتمرن عليها عملا يكتسب فيها شهرة تعينه على القيام بها ... ويقدم الآخر منا على الاحتراف - مثلا - ببيع الماء للشرب بمجرد ظنه أن هذه الحرفة عبارة عن حمله قربة وقدحا وتعرضه للناس في مجتمعاتهم، ولا يرى لزوما لتلقي وسائل إتقان ذلك عمن يرشده مثلا إلى ضرورة النظافة له في قربته وقدحه وظواهر هيئته ولباسه، وكيف يحفظ برودة مائه، وكيف يستبرقه ويوهم ليشتهى به، ومتى يغلب العطش ليقصد المجتمعات ويتحرى منها الخالية له عن المزاحمين، وكيف يتزلف الناس ويوهم بلسان حاله أنه محترف بالإسقاء كفا للسؤال، إلى نحو هذا من دقائق إتقان الصنعة المتوقف عليها نجاحه، وإن كانت صنعته بسيطة حقيرة».
والتخصص في رأي الكواكبي علاج نافع لشفاء الأمم الشرقية من هذه الغرارة؛ لأن «الكياسة لا تتحقق في الإنسان إلا في فن واحد فقط ... وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، فالعاقل من يتخصص بعمل واحد».
Bog aan la aqoon