شذت واحدة منهن عن نطاق أترابها، وأرادت أن تتقدم من القائد، فحال بينها وبين بغيتها جندي وأشار إليها مهددا منذرا، ولكنها صاحت بالقائد باللغة المصرية المبينة: أيها القائد دعني أقترب منك وليباركك الرب رع.
فدهش ددف ودهش من معه جميعا لطلاقة لسانها، وحسن نطقها المصري كأحد الناطقين بها، وأمر القائد الجندي أن يتركها تتقدم منه، فتقدمت بخطى وئيدة حتى دنت من الشاب، وانحنت أمامه في احترام وإجلال، وكانت امرأة في الخمسين من عمرها، وقور الطلعة في وجهها أثر لحسن قديم عفا عليه الزمان والشقاء، وفي قسماتها شبه عجيب من بنات النيل، فقال لها ددف: أراك تعرفين لغتنا أيتها السيدة.
فتأثرت السيدة تأثرا شديدا حتى اغرورقت عيناها بالدموع، وقالت: كيف لا أعرفها وقد نشأت لا أعرف لغة سواها؟ أنا مصرية يا مولاي!
فزاد العجب بالشاب وأحس نحوها بعطف شديد، وسألها: أحقا أنت مصرية يا سيدتي؟
فقالت له بيقين وحزن: نعم يا مولاي، مصرية بنت مصريين. - وما الذي جاء بك إلى هنا؟ - جاء بي حظي التعس إذ خطفني على أيام شبابي هؤلاء الرجال الغلاظ الأكباد، الذين نالوا جزاءهم على أيديكم الباسلة، وساموني سوء العذاب حتى أنقذني زعيمهم من شرهم ليبتليني بشره، فضمني إلى حريمه، حيث عانيت ذل الأسر وحسرته عشرين عاما ...
فاشتد تأثر ددف، وقال للمرأة البائسة: اليوم ينتهي أسرك أيتها السيدة التي تربطني بها أخوة الجنس والوطن، فقري عينا.
فتنهدت المرأة التي قسا عليها الدهر عشرين عاما طويلة، وأرادت أن تجثو عند قدمي القائد، ولكنه أمسك بيدها برقة وقال لها: هدئي روعك يا سيدتي ... من أي البلاد أنت؟ - من أون يا مولاي، مقر الرب رع. - لا تحزني، لقد ابتلاك الرب بشر عظيم لحكمة يعلمها هو، ولكنه لم ينسك. ولسوف أقص على مولاي الملك قصتك وأضرع إليه أن يفك رقبتك فتعودي إلى مسقط رأسك راضية سعيدة ...
فساور المرأة القلق، وقالت للقائد بتوسل: أضرع إليك يا مولاي أن ترسلني إلى بلدتي توا، عسى أن تمن علي الآلهة بالعثور على أهلي.
ولكن الشاب هز رأسه وقال: ليس قبل أن أرفع أمرك إلى فرعون؛ لأنك الآن - شأنك شأن جميع هؤلاء الأسرى - ملك للملك ولا بد من تسليم الوديعة إلى صاحبها، ولكن اطمئني ولا تخشي شيئا؛ ففرعون رب المصريين لا آسرهم ولا مذلهم.
وأراد أن يدخل الطمأنينة على نفسها المعذبة، فأرسلها إلى المعسكر المصري معززة مكرمة.
Bog aan la aqoon